عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2003, 12:02 AM   #5
عبادة
عضو


الصورة الرمزية عبادة
عبادة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 342
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 08-06-2010 (09:24 AM)
 المشاركات : 14 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأكارم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛
أعتذر إليكم لتأخري عليكم وذلك لكثرة ارتباطاتي ، فسامحوني ... ، و أعود إليكم لأتابع دراستي حول ظاهرة الحسد ، تلك الآفة التي ربما تشغل الكثيرين منا ، بل ربما تتسرب إلى نفوسنا ، وتتسلل إلى قلوبنا كما يتسلل الوحش إلى فريسته ... ونحن حيال هذا التسلل أمام احتمالين :
* إما أن ننتبه إلى هذا التسلل وهذا الإختراق ، ونكون هنا أمام خيارين أيضاً ؛ إما أن نُدافعه ونستغفر ، ثم نتعجب كيف استطاع التسلل والدخول !!! ..... وإما أن نفتح له باباً وسعاً ، ونفرش له طريقاً ملكياً لينمو ويترعرع ويظهر فنونه وجنونه ...!
* أو أن لا ننتبه لهذا التسلل وهذا الإختراق ، فنكون بذلك الجلاد والضحية معاً في آنٍ واحد ، وتكون المصيبة هنا أدهى وأمر ... .
على كل حال .... فولوج هذه الآفة إلى القلب أمرٌ لا بد منه .... لأنها لا تدخل سافرةً عن وجهها ، بل تدخل مقنعةً متنكرةً ، ولا ينتبه الإنسان إلى ولوجها حتى تصبح في الداخل ، لأنها تدخل وتتسلل متخفية تحت غطاء " الحاجة إلى التميز بالأفضل " – التي تحدثنا عنها في الجزأ الأول من الدراسة – ، تلك الحاجة التي جعلها رب العزة أحد المحركات الأساسية للحياة ، فبدون وجودها لا يتطور الكون و لا يعمر ، ولذلك جعلها ربنا فطرة أصيلةً في الإنسان ، بل إننا إن عمقنا النظرة ، ووسعنا دائرة البحث ، لوجدنا أن هذه الحاجة ؛ وما تولده من دافعيةٍ للسلوك ، حاجةٌ يشترك فيها كثيرٌ من المخلوقات وهي حاجةٌ أصيلة عند الإنسان وعند كثير من الكائنات ... وكأننا بها قانوناً عاماً يدفع عجلة الحياة لتدور ، وأقدار الله لتقع ... !!!!
ويهمني قبل أن أدخل في عمق التحليل أن أتوسع في هذه النقطة ، وغرضي من ذلك أن تستقر هذه الفكرة في أذهاننا ، وأن نمتلك الدلائل والشواهد على وجود هذه الحاجة ، ومحوريتها ، وقوة تأثيرها على سلوكنا كبشر ؛ وعلى سلوك كثير من المخلوقات كلٌ بحسب درجة تطوره ، ومرتبة تكليفه .
وسأتخذ سبيلي إلى ذلك القراءة والتدبر في اتجاهين :
* كتاب الله المنظور ، " الكون بما يحوي من مخلوقات ".
* كتاب الله المسطور ، " القرآن الكريم " .
هيأوا معي أنفسكم .... و شدوا أحزمتكم .... و فتِّحوا أذهانكم ..... لأننا سننطلق إلى الرحلة الأولى ، إلى رحلةِ بحثٍ و تأملٍ وتدبر في مخلوقات الله .... فللننطلق ، على بركة الله ....
أول مكانٍ نضع فيه أحمالنا هذه البراري الواسعة .... بعد أن تلتقطوا أنفاسكم ، ألقوا نظرةً سريعة على جمال وعذرية وعفوية هذا المكان ... ثم تعالوا معي نبحث عما جئنا نبحث عنه :
* فوق تلك الشجرة ؛ راقبوا معي ذلك الطير الذي يقف على حافة عشه ، يحمل في منقاره غذاءً لأفراخه ، ولاحظوا صغاره في العش كيف كلٌ منهم يتطاول بأشد ما يستطيع ، فاتحاً منقاره بأشد ما يستطيع يحاول أن يمتاز بهذا الطعام لنفسه ... !!!

تعالوا نتركهم يأكلون – بالهناء – لنتابع نحن مهمتنا مع مشهدٍ آخر ...
* راقبوا معي من بعيد ذلك الأسد الذي يدور على حدود مملكته ، يضع على هذه الحدود رائحته الخاصة لكي لا يقترب أحد من الأسود الأخرى من مجاله الجغرافي وبذلك يتميز وحده بهذه المنطقة ، وبهذا المجال الجغرافي .....!!!
فلنتركه ومملكته وننطلق لنتابع عملنا ...
* كلٌ منكم ليمسك منظاره ويوجهه إلى تلك التلة المرتفعة ليراقب تلك العائلة من القرود . و ليراقب ذلكما الذكرين الذين يتصارعان ... هل تدرون لم هذا الصراع الحامي ؟؟؟ إنه من أجل قيادة القبيلة !!! إنه صراع بين سيد القبيلة الكهل وبين أحد الذكور الفتية التي ترى في نفسها القدرة والأحقية في زعامة القبيلة ..... كلٌ من هذين القردين يحاول كسب المعركة ليحتفظ أو لينتزع لنفسه سيادة القبيلة ، و بالتالي ليتميَّز بالحقوق التي يتمتع بها سيد القبيلة ...!!!!

أقف معكم عند هذا الحد من الرحلة وأطلب منكم في المشاهد التالية أن تعودوا لمعارفكم ذاكرتكم :

* هل سبق وشاهدتم في أحد البرامج التلفزيونية عن حياة البراري لقطاتٍ من اصطياد وحشٍ ما لفريسةٍ يأكلها ، ثم جاء أحد الحيوا نات المفترسة من نوع آخر يحاول أن ينتزع منه تلك الفريسة ليأكلها هو . أو بمعنىً آخر " ليمتاز عنه بالحصول على هذا الطعام " !!!!!.
* هل سبق وشاهدتم مجموعات كثيرة من أنواع مختلفة من الحيوانات تعيش حول أحد المستنقعات أو أحد الواحات ، كيف يكون سلوكها في مواسم الجفاف ؟؟ راقبوا كيف تتنازع هذه الأنواع فيما بينها عندما تشح المياه ، كلُ نوع يحاول أن يفرض سيطرته على ما بقي من المياه ، ليمتاز هو ونوعه بما بقي من مياه !!!!!!! ثم بعد أن يشتد الجفاف وتشح المياه بدرجة أكبر ، تتقاتل الحيوانات من النوع الواحد على ما بقي من مياه !!!!

* هل جرّبتم أن تُدخلوا ديكاً إلى مزرعةٍ يعيش فيها ديكٌ مع دجاجاته ؟؟ ما الذي يحصل ؟؟؟ لا بد أن معركة حاميةً ستحدث بين الديكين ، ويستبسل الديك المقيم في الدفاع عن امتيازاته الزوجية في وجه هذا الدخيل !!!
لا أريد أن أطيل عليكم ، ولا أشك أن في جعبتكم الكثير ... فالأمر أكبر من أن يحصى بعدد محدود من الأمثلة .
ما يهمني من سرد هذه الأمثلة أن أخلص إلى القاعدة التالية :
" أن الحاجة إلى التميز والبحث عنه عند الحيوان تبقى في حدود الحاجات الأولية الأساسية و الفزيولوجية عنده ؛ كالطعام والشراب والدفاع عن المجال الجغرافي أو سيادة القطيع أو الدفاع عن الأنثى ، ولا يتعداه إلى أبعد من ذلك كما عند البشر . "
.... الآن إن كنتم قد مللتم وتعبتم من الرحلة الأولى ، فرحلتنا التالية أنقى وأطهر ... رحلةٌ يتفتح فيه العقل والقلب ليتدبر كلام خالقه ؛ رحلةٌ تسمو بها الروح فتتجاوز حدود المادة والوقت لتندمج في سبحات الكون كله فتعرف ما لها وما عليها ، وتعرف منشأها و مستقرها ومستودعها ومآلها ... كل ذلك عندما يجتمع القلب والعقل والروح معاً ليتدبروا كلام الله ...
كلام الله الذي قصَّ علينا قصة بداية الخلق – و لذلك حكمةٌ بالغة لها علاقة بموضوعنا – وكلٌ منا قد قرأ الآيات في أكثر من موضع من القرآن حول هذه القصة ؛ ولكنني أريد أن نتوقف قليلاً عند هذه الآية التي تناولت الحوار الذي دار بين رب العزة وإبليس حول خلق آدم :
" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ( 75 ) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ( 67 ) " ص
تدبروا معي إجابة إبليس " أنا خير منه " ألا تشمُّن معي رائحة طلب التميز في إجابة إبليس هذه ؟؟؟ هل استطعتم الدخول إلى ما وراء الكلام الظاهري لتتلمسوا وجود هذه الحاجة ؟؟؟

* تعالوا معي لنتتبع الخيوط بما منَّ الله علينا من آيات حول هذه القضية المهمة ، وكلنا يعرف ترتيب القصة ، ونقف هنا عندما وسوس الشيطان – بعد طرده من الجنة – لآدم عليه السلام بالأكل من الشجرة :
" فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ( 120 ) " طه
تدبروا معي المدخل الذي دخل به إبليس على آدم ليقنعه بتجاوز التكليف الإلاهي " شجرة الخلد " و " ملك لا يبلى " ... هيا معاً ندخل إلى ما وراء السطور
الجنة دار المُتَعْ ، ولا يستطيع إبليس الوسوسة لآدم بأنه إن عصى معصيةً معينة سيحصل على المتعة لأنه هو واقعاً يعيش فيها ولا يفتقر إليها في الجنة ، فليس لوسوسة إبليس حول هذا الموضوع من كبير أثر - كما يفعل ابليس مع بني البشر في هذه الحياة الدنيا فيسوس للإنسان أنك إن سلكت هذه الطريق ستجد المتعة لإفتقاره إليها – . فما الطريق الذي سلكه إبليس لإقناع سيدنا آدم بمعصية الأمر ؟؟؟
إن إبليس – وهنا الشاهد – دخل على آدم من باب الحاجة إلى التميز بالأفضل ، والدافع للحصول على هذا الأفضل ... تعالوا معي نقرأ ما وراء كلمات إبليس لآدم
" أنت يا آدم في نعيم مقيم ومتع لا تنتهي ، ولكن كل حيً إلى فناء ، وكل نعيمً إلى زوال ، ... هل تريد أن أدلك على طريقةٍ تتميّز بها بالخلود الدائم ؟؟؟ وهل أدلك على طريقةٍ تتميز بها بالتمتع بملك لا يبلى ولا يفنى ؟؟؟؟ "
لا حظوا يا إخوتي أن التميُّز بالخلود وبالملك الذي لا يبلى هو من صفات من ؟؟؟؟ إنه من صفات رب العزة ، ومن هنا نصل إلى قاعدةٍ هامة وهي " أن التميز المطلق والكمال المطلق ، هي من صفات الألوهية ، وأن حاجتنا للتميز تستمد جذورها من حاجتنا – كبشر – للتشبه ببعض صفات خالقنا الذي له التميز المطلق وله الكمال المطلق .... " ، لا يا إخوتي ... لم أخرج عن الموضوع ....و لست أعطي درساً في العقيدة ، و ما زلت في نطاق علم النفس وفي تحليلي لظاهرة الحسد فاطمإنوا... ولكن تحليل ظاهرة ما قد يتشعب ليطال كثيرا من العلوم أحياناً ليكون أشمل وأعمق .... فتحملوا إطالتي ...
نعود إلى حديثنا ...
تدبروا معي يا إخوتي هذه الآية من سورة الحديد
" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ ( 20 ) " الحديد
في هذه الآية يوضح لنا رب العزة ما هي الحياة الدنيا ، وهل ينبؤنا مثل خبيرٍ بخلقه ؟؟؟
توقفوا معي عند " وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد "
بالمختصر وبكل وضوح ؛ تفاخر وتكاثر في الأموال و الأولاد يعني " أنا أتميز عنك بشيءٍ لا تمتلكه أنت ، أو تمتلكه بدرجةٍ أقل مني "
"إذاً رب العزة يخبرنا في هذه الآية وبكل وضوح بفطرية الحاجة إلى التميز بالأفضل ، وفطرية دافع البحث عن التميز في كلِّ ما يمكن أن يقارن به البشر بعضهم . وهنا يكمن جذر الحسد وأساسه ، وهذه الحاجة هي بمثابة البذرة من الشجرة ، .. ولاحظوا معي إلى أنني قلت هنا بذرة الحسد ولم أقل الحسد ، لأن البذرة إن صادفت ظروفاً مواتية ، أنتشت وربت وأثمرت ، وإن لم تصادف تلك الظروف بقيت بذرة ضامرة لا حول لها ولا قوة . "
... إخوتي .... جميع ما سقته من دلائل وشواهد قد يفهم القاريء منه أن جميع البشر – بل وحميع الكائنات – سيتحولون لا محالة إلى حاسدين ، وأن البشر يعيشون حالةً صراعية في محاولة تميزهم بالأفضل ..... لا لست هذا ما أرمي إليه ، ولكنني أوضح لكم أنني ما زلت حتى الآن أتحدث عن المداخل التأسيسية لجذر وبذور ظاهرة الحسد ، ولم أدخل حتى الآن بالتحليل الفعلي لهذه الظاهرة ، والتي أعتقد – بل وأرجو من الله – أن تكونوا قد تهيأتم للدخول إليه بقاعدةٍ متينة وبفهمٍ صحيح .... والسلام عليكم ..


 

رد مع اقتباس