الموضوع: حلمُ رجل مضحك
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2010, 02:35 AM   #8
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 03-03-2025 (04:29 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


رغم أن الأشياء من حولي ما كانت تعنيني، إلا أنني كنتُ أُحسُّ ـ على سبيلالمثال ـ بالألم.‏

فلو ضربني شخصٌ ما لشعرتُ بالألم. والأمرُ مُماثِلٌ فيمايتعلّقُ بالمسائِلِ الأخلاقيّة أو الوجدانيّة: فحين يحدُثُ شيءٌ محزنٌ جداً، أشعُرُبحزنٍ عميق كما كان شَأني عندما كنتُ أكترثُ بالدنيا من حولي. لقد شعرتُ بالشفقةِمنذُ قليل: كان بإمكاني أن أساعِدَ تلك الطفلة دونَ تردد، فلماذا لم أفعل؟ لعلّهاتلك الفكرة التي انبجست عندما كانت البنت تشدّني من كُمّي وتدعوني لنجدتها، متمثّلةبسؤالٍ برزَ فجأةً نصب عيني وما استطعتُ حَلّه؛ لقد كان سؤالاً نافِلاً لكنَّهأغضبني، أغضبني بسبب نتيجتِهِ التي تقول: ما دمتُ سأنهي حياتي الليلة، فالأولى أنأُصْبِحَ أقلَ اهتماماً بالدنيا في هذهِ اللحظات أكثر مما كنتُ في أي وقتٍ مضى،فلماذا شعرتُ فجأةً وبعدما سبق بأنني أشفِقُ على الطفلة وأكترثُ لحالها؟ أتذكر أننيحزنت لأجلها وأشفقتُ عليها كثيراً، ممّا لا ينسجِمُ مَع وضعي وما أنا مقدمٌ عليه. حقيقةً... لا أتمكَنُ من رسم المشاعِر التي سيطرت عليّ لحظتها، لكنّها مشاعرُ لمتغادرني أبداً، وحين جلستُ إلى طاولتي في الغرفة، كانَ الغضبُ في نفسي يضطرمُ كمالم يحدث لي منذُ سنواتٍ طويلة، وبدأتِ المحاكماتُ العقليّة تترى الواحدة تلوالأخرى، وكنت أقلّبُ الأمور: إنني ما دمتُ إنساناً، ولستُ صفراً، وَلم أصبح صِفراًبعدُ، فهذا يعني أنني أحيا، وبالتالي يُمكنني أن أتألّمِ، وأغضبَ وأشعر بالخزي مماأقترِفُهُ، طيّب! فإن انتحرتُ؛ ما الذي يعنيني بَعد سَاعتين مثلاً من شأن الفتاة،ومن الخزي، ومن كلِ ما هو فوقَ سطح الأرض؟ عندها سأتحوّلُ إلى صِفر، إلى عَدَمٍمُطلق.‏

وهل من المعقول أن مسألةَ إدراكي أنني بعد قليل لن أبقى موجوداً (على الإطلاق)، وبالتالي فالعالم كُلّهُ لن يكونَ موجوداً، هل من المعقولِ إذاً أنهذا الإدراك لم يكن يؤثّر ولو قليلاً جداً على شعوري بالشفقة إزاء الطفلة، وشعوريبالعارِ من قِلّة الضمير التي ارتكبتُها؟!‏

لقد قمتُ بإهانةِ الطفلةالبائسة حين قرعتُ الأرضَ بقدمي، وصرختُ بها، ومَا هذهِ الحقارة التي قمتُ بهاوالخالية من مشاعِر التعاطف الإنساني "بهدفِ البرهان على أنني لم أعد أشعُرُبالشفقة فحسب، بل لأثبِتَ أيضاً أنني أستطيعُ أن أرتكبَ أي حقارة لأنني وبعد ساعتينسأغادرُ هذا العالم"، هل تُصدّقون أن صُراخي كان لهذا السبب؟ أنا الآن واثقٌتقريباً من ذلك، لقد تصوّرتُ بوضوحٍ تام أن الحياة والعالم الآن إنّما يتعلّقانِبي، ويمكنني حتى أن أقول: لكأنَ العالمَ قد وجدَ لأجلي وحدي، فيكفي أن أطلقَ النارَعليّ حتى يختفي العالم ولا يعودُ موجوداً، على الأقل بالنسبةِ لي؛ ولا أقول الآن أنلا شيءَ سيبقى في حقيقة الأمر للجميع من بعدي أنا، وما أن ينطفئُ وَعيي حتى يتلاشىالعالَمُ كلّهُ في اللحظةِ نفسها كما يتلاشى شبح، لأن كل هذا ينتمي إلى وعيي أناوحدي، رُبّما لأن هذا العالم كُلّه، والناسُ كُلّهم ليسوا سوى (أنا) وحدي، أذكُرُأَنني استعرضّت وقلّبتُ كل هذهِ الأسئلة الجديدة جَالساً إلى طاولتي؛ فأذهب فيهامذاهب شتّى واختَلِقُ غيرها.‏


 

رد مع اقتباس