الموضوع: حلمُ رجل مضحك
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2010, 02:40 AM   #10
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 03-03-2025 (04:29 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


لقد قلتُ إنني نمتُ وماأحسستُ كيف حدث ذلك، لكأنني كنت لا أزال أقلّبُ تلك الأمور.‏

ورأيتُ نفسيأمسك المسدّس وأنا في وضعيتي نفسها وأسددُهُ إلى قلبي مُباشرةً ـ إلى قلبي وليسَإلى رأسي، وكنتُ من قبل قد خططتُ أن أسدِدَ إلى صدغي الأيسر، وضعتُ المسدسَ إذاً فيصدري وانتظرتُ ثانية أو اثنتين، فإذا بالشمعة والطاولة والجدار أمامي تهتزُوتترنّح، فأسرعتُ أطلقُ النار.‏

في الحُلمِ تسقطُ أحياناً من مكانٍ شاهقٍ،أو تُطعن أو تُضرب، لكنك لا تحسُّ على الأغلب بالألم، إلا أن تكون قد آذيتَ نفسكَبالسرير، وتستيقظُ تحت الشعور بالألم، وهذا ما حَدَثَ في حُلمي: فأنا لم أشعربالألم جَرّاء إطلاق النار ولكن خُيّل لي أنني تلقيتُ صدمة هَزّتني كُلّي ثم شعرتُبالسكينة، وأحاطتني ظلمةٌ شديدة، لكأنني أصبحتُ أعمى وأخرس، ثُمَّ ها آنذا أضطجِعُفوق شيء ما صلب ممّدداً ومقلوباً، لا أرى شيئاً ولا أستطيع أن أتحرّك، البشر منحولي يصرخون ويعبرون، والكابتن يزمجر، وصاحبة البيت تعول ـ ثُمَّ يَعمّ الهدوءُ منجديد، وها هم يحملونني في تابوتٍ مُغلق، وأحسُّ التابوت يتأرجح، فأفكر في الأمر،وتصعقُني لأوّل مرّةٍ فكرة مفادها أنني ميّت ميت تماماً، أعلمُ ذلك ولا أشكُ فيه،لا أتحرّك، لا أرى شيئاً، لكنني أحسُّ وأفكّر. وسرعان ما ألفتُ هذا الوضعَ وفقاًلمنطق الحلم نفسه، وقبلتُ الأمر دون اعتراض.‏

وها هم يدفنونني في الأرض،ثُمَ يغادرون، أظّلُ وحيداً، وحيداً تماماً، لا أستطيع الحركة.‏

كنتُ فيمامضى حين أتخيّلُ كيف سأُدفَن في القبر، أجدُني دائماً أربطُ بين القبر ومشاعرالوحدةِ والإحساس بالبرد، ولهذا فأنا أشعرُ الآن بالبرد الشديد، ولا سيّما فينهاياتِ أصابعِ قدميَّ، وسوى ذلك لا أشعرُ بشيء.‏

كنتُ ممدّداً ومن الغريبأنني لم أكن أنتظرُ شيئاً، وكنتُ على يقين لا اعتراضَ فيه أن على الميّت ألا ينتظرشيئاً. لا أعلم كم مَرّ من الوقت ـ ساعة أم عدّة أيام، أم أيام كثيرة.‏

ثُمّ إذا بقطرةٍ ماءٍ كبيرة تسقطُ فجأةً من غطاء التابوت في عيني اليُسرىالمغمضة، وتتلوها بعد دقيقة قطرة أخرى، وهكذا يستمرُ تساقط القطرات كل دقيقة،فأشعرُ بغيظ شديدٍ في قلبي، ثُمّ أحسُّ بألمٍ فيزيائيٍ فيه: "إنّه جُرحي ـ فكرتُ ـهذا موضِعُ الرصاصة" ويستمرُ تساقطُ القطرات كل دقيقة واحدة ومباشرةً على عينيالمغلقة.‏

وفجأةً وجدتُني أصرُخُ بكل ما فيّ من مشاعر ـ ولكن دون صوت فقدكنت جامداً لا حراكَ فيّ ـ وجدتُني أصرخُ منادياً ذاك الذي يتحكّم بي.‏

ـأياً كنتَ؛ إن كنتَ موجوداً، وإن كان من الممكن وجود ما يحدث الآن، ولو على سبيلالانتقام مني بسبب انتحاري الغبي فلا تسمح بحدوث ذلك لأنكَ لن تلقى مني إلاالسخرية، فالتعذيب الذي يقعُ عليّ الآن، مهما كان لا يَعْدِلُ شعوري بالاحتقار الذيسأحسّهُ صامتاً ولو لملايين السنين القادمة!‏

ناديتُ بكلامي ذاك ثُمّ سكتُ،مَرّت دقيقةٌ من صمتٍ عميق، وسقطت قطرةُ ماءٍ واحدة لكنني كنت أعلم علمَ اليقين أنكل هذا الأمر سيتغيّر فجأةً، وها هو ذا القبرُ ينفتحُ فجأةً، أو لنقل أنني لم أكنأعرف هل انفتَحَ القبرُ أو كان كذلك أو ذابَ الغطاء، لكنني أحسستُ أن كائناً غامضاًومجهولاً أمسكني وطار بي في الفضاء، ثُمَ أعادَ لي بصري بغتةً، لكن الظلام كانحالكاً كما لم أرهُ من قبل، لم أسأل الكائن الذي حملني وبقيت صامتاً محتفظاًبكبريائي، لا أشعر بالخوف؛ وسعيداً بذلك، لا أستطيع أن أتذكر كم طرنا، وليس بإمكانيتصوّر ذلك: فقد حدث ما حدث كما هو الأمرُ في الأحلام تجتازُ الأماكن والأزمنة،وتخترقُ كُلّ قوانين العقل والدنيا ولا تلتقطُ شيئاً محَدّداً.‏

أذكُرُأنني لمحتُ في ذلك الظلام الشديد نجماً، فسألتُ رغماً عني: "أهذا نجم سيروس؟" ذلكأنني ما أحببتُ أن أتوجَهَ إلى من يحملني بأي سؤال، فأجابني قائلاً:‏

"لا،إنهُ النجمُ نفسه الذي رأيتَهُ بين السحاب حين كنتَ عائداً إلى منزلك، كنتُ أعلم أنلهذا الكائن هيئة إنسان، ومن غريب الأمر أنني ما أحببتُ هذا الكائن، بل شعرتُتجاهَهُ بكرهٍ شديد. لقد انتظرتُ العدمَ المطلق ولأجل ذلك أطلقتُ رصاصةً في قلبي،فإذا بي بين يدي كائنٍ؛ هو بالتأكيد لا إنساني ولكنهُ "موجود".‏

فكّرتُبخفّة الحلمِ العجيبة: "إذاً هناكَ وراء القبر حياةٌ أخرى!"، لكنَ ميزتي الأساسيّةظَلّت في أعماقي: "إذا كان لا بُدَّ أن (أوجدَ) ثانيةً ـ فكّرتُ ـ بإرادةِ أحدٍ مافإنني لن أكونَ مَغلوباً ومُذلاًّ".‏

"أنتَ تعلم أنني أخافك، ولهذا أنتَتحتقرُني"، قلتُ لرفيقي، دون أن أستطيع كبح هذا السؤال المُذل، الذي ينطوي علىاعتراف وينغرس في قلبي كإبرةٍ سببها الجبن.‏

لم يجبني عن سؤالي، ولكننيشعرتُ فجأةً أنه لا يحتقرني، ولا يضحَكُ من فعلي، ولا يرثي لي في الوقت نفسه، وأنلدربنا هذا غاية ينتهي إليها، سريّة غير معروفة ولا تعني أحداً سواي، ازدادَ الرعبُفي قلبي، ونفذَ صمتُ صاحبي إلي عميقاً ومؤلماً.‏

واجتزنا فضاءاتٍ مظلمةٍ مارأتها عين، وما عدتُ أرى نجوماً مألوفة من قبل.‏



 

رد مع اقتباس