بسم الله الرحمن الرحيم
إن بعض الناس تنزل به النازلة من مصائب الدهر ,فيظل فيها شهوراً وأعواماً,يجتر آلامها ويستعيد ذكرياتها القاتمة ,متحسراً تارة ,متمنياً أخري ..
قال الشاعر :
ليت شعرى , وأين منى "ليت "؟ ******** إن "ليتاً" وإن "لواً" .. عناء
إن من أهم عوامل القلق الذى يفقد الإنسان سكينة النفس وأمنها ورضاها هو تحسره على الماضى ,وسخطه على الحاضر ,وخوفه من المستبقل ..
ولذا ينصح الإطباء النفسيون ,والمرشدون الإجتماعيون ,ورجال التربيه ,ورجال العمل ,أن ينسى الإنسان آلام أمسه .ويعيش في واقع يومه , فإن الماضى بعد أن ولى لا يعود .
ما مضى فات والمؤمل غيب ****** ولك الساعة التى أنت فيها
وقد صور هذا أحد المحاضرين بإحدى الجامعات بأمريكا تصويراً بديعاً لطلبته حين سألهم :كم منكم مارس نشر الخشب ؟فرفع كثير من الطلبه أصابعهم , فعاد يسألهم : وكم منكم مارس نشر نشارة الخشب ؟فلم يرفع أحد منهم إصبعه , وعندئذ قال المحاضر :بالطبع لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب , فهى منشورة فعلاً.. وكذلك الحال مع الماضى : فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضى,فاعلمو أنكم تمارسون نشر النشارة !!
وفد نقل هذا التصوير ديل كار نيجى ,كما نقل قول بعضهم : لقد وجدت أن القلق على الماضى لا يجدى شيئاً تماماً كما لا يجديك أن تطحن الطحين ,ولا أن تنشر النشارة !!
وكل ما يجديك إياه القلق هو أن يرسم التجاعيد على وجهك , أو يصيبك بقرحة في المعدة ..
ولكن الضعف الإنسانى يغلب على الكثيرين , فيجعلهم يطحنون المطحون ويبكون على أمس الذاهب , ويعضون على أيديهم أسفاًعلى ما فات , ويقلبون أكفهم حسرة على ما مضى .
وأبعد الناس عن الإستسلام لمثل هذة المشاعر الأليمة , والأفكار الداجية هو المؤمن الذى قوي يقينه بربه , وآمن بقضائه وقدره , فلا يسلم نفسه فريسة للماضى وأحداثه,بل يعتقد أنه أمر قضاه الله كان لا بد أن ينفذ , وما أصابه من قضاء الله لا يقابل بغير الرضا والتسليم ,ثم يقول ما قال الشاعر :
سبقت مقادير الإله وحكمه ****** فأرح فؤادك من "لعل " ومن "لو"
إن شعار المؤمن دائماً:"قدر الله وما شاء فعل " "الحمدلله على كل حال " وبهذا لا يأسى على ما فات , ولا يحيا في خضم أليم من الذكريات , وحسبه أن يتلو قوله تعالى :
((ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم ))
من كتاب الإيمان والحياة....
للدكتور يوسف القرضاوي ..