16-01-2003, 07:28 AM
|
#4
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3062
|
تاريخ التسجيل : 12 2002
|
أخر زيارة : 01-01-2006 (11:37 AM)
|
المشاركات :
86 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الكاتب والمحلل السياسي غسان الامام كتب في الشرق الأوسط عن مؤتمر المعارضة العراقية الذي تم مؤخراً في لندن للتآمر على العراق :
كنت اتمنى ان تتمثل الصحافة العربية كلها في مؤتمر المعارضة العراقية الاخير في لندن. وكنت آمل ان يقرأ العرب تغطية اعلامية اكثر عمقا وشمولا لمؤتمر خطير ينصب نفسه مقررا لمصير دولة عربية هي الاقوى والاهم في المشرق العربي، على الرغم من تعطيل نظامها المنبوذ لدورها وفاعليتها. بل كنت اتمنى حضورا عربيا اكبر عبر موفدين ومراقبين غير رسميين، وعدم ترك الساحة وحدها للموفدين الغرباء من سماسرة اميركيين وايرانيين واوروبيين.
كانت التغطية الاعلامية مجرد شاهد عيان باهت ومحايد. ولم تطرح الاسئلة المحورية التي كان يجب ان تطرح، فتمكن المؤتمرون من تقديم عراق المستقبل كما يرونه ويخططونه، لا كما يجب ان يكون عراقيا وعربيا. بل كان التحليل الاخباري والسياسي مشغولا بالتفاصيل الاجرائية لعقد المؤتمر، والتفاصيل الشكلية التي لا تنتهي للحشود العسكرية وسيناريوهات الحرب!
ماذا عن عراق المستقبل؟ ماذا عن كيان الدولة وشكل النظام المقبل؟ ماذا عن الهوية والانتماء؟ بل ماذا عن فكر وتصور القوى التي شاركت في المؤتمر وتؤهل نفسها لصنع عراق ما بعد صدام؟ ولماذا اعتمدت اميركا القوى الكردية والشيعية فقط؟
اسئلة لم تخطر على بال الموفدين والمراسلين والصحافيين، وتركوا للمؤتمرين تقديم «عراقهم» الخاص بهم، دون ان يمسوا هذه القضايا الجوهرية لطمأنة العرب على علاقتهم وصلتهم بأشقائهم عرب العراق.
لقد عبرت هنا في الاسبوع الماضي عن القلق على عروبة العراق التي كانت «الغائب الاكبر» عن هذا المؤتمر «الشعوبي». وها انا اليوم اطرح عراق هذا المؤتمر، كدولة ونظام وهوية، من وجهة نظر مختلفة تماما، لكي يدرك القارئ خطر هذا العراق على العرب والعروبة واستقرار المنطقة وسلامها.
واضح من البيان السياسي للمؤتمر والخطاب السياسي للمؤتمرين ان العراق ككيان ودولة سيكون ضعيفا وهشا في المركز، ولا سلطة فعلية له على الاطراف. ولو كان الاخلاص حقيقيا لعراق قوي وموحد لتم اعتماد «اللامركزية الادارية» بدلا لهذا الاصرار على اعتماد «الفيدرالية».
وما زلت أؤمن بأن مشروع «الفيدرالية» هو تغطية مرحلية للمشاريع الكيانية الانفصالية التي باتت قائمة أو جاهزة على الارض، وتنتظر «الظروف» التركية او الايرانية المناسبة وغير المعارضة لإعلان الاستقلال. وفي غيبة الوعي بالخطر يقف هذا المنسوب للاسرة الهاشمية ليدعو العرب، صراحة وعلنا، الى اعتماد الفيدرالية في الدولة العربية، ويقدم عراقه مثالا يحتذى!
ينسى علي بن الحسين ان الاسرة الهاشمية التي يقول انه ينتسب اليها كانت قومية ووحدوية، على الاقل، في خطابها السياسي، على الرغم من كل الاخطاء التي ادت الى سقوطها في العراق. والكلام الخطير الذي يثرثر به هذا «الشريف» جدا يعني ان تكون هناك فيدرالية انفصالية للاقباط في مصر، وفيدرالية للاديان والمذاهب والاعراق في سورية ولبنان وبلدان المغرب، وفيدراليات تجزئة وتقسيم للسعودية التي كانت أول مشروع وَحَّدَ صميم شبه جزيرة العرب منذ انهيار السلطة العربية في الدولة الاسلامية الاموية والعباسية. وما يثرثر به هو ما تريد اسرائيل للدولة العربية.
الدويلات العراقية التي يسمونها «فيدراليات» كيف يتم الاتفاق على رسم حدودها الجغرافية؟ اين تبدأ «غيتوهات» الاعراق والمذاهب واين تنتهي؟ كيف تقتسم الاقليات موارد النفط وثروات الطبيعة في مناطقها، وماذا تترك للحكومة المركزية دون ان تختلف وتقتتل في ما بينها؟
اذا كانت الفيدرالية تعبيرا ضمنيا عن استقلالية عرق وعنصر ومذهب، فإلى اي مدى يسمح للهوية الفئوية الثقافية واللغوية بتجاوز الهوية الوطنية والثقافية واللغوية للدولة؟ بل ماذا عن المؤسسات الاستقلالية التي اقيمت في المنطقة الكردية من برلمان وادارة وميليشيات عسكرية؟ كيف يمكن اقناع الاكراد الفيدراليين غدا بحلها واقامة مؤسسات محلية غير سياسية وسيادية بديلا لها؟ واذا كان هناك اصرار على بقائها، فكيف يمكن تشكيل جيش وطني او ادارة مدنية للدولة؟
هذا باختصار عن الدولة والكيان والفيدرالية، لكن ماذا عن النظام السياسي في عراق المستقبل؟
ليس المهم ان يكون النظام برلمانيا او رئاسيا، ملكيا او جمهوريا، انما المهم «قوة الرفع» التي تحمل النظام، وكل نظام. الواضح ان الولايات المتحدة «عراب» العراق الجديد اعتمدت الفصائل الكردية والشيعية كطبقة سياسية حاكمة.
في تشكيل لجنة المتابعة والتنسيق التي هي بمثابة «برلمان» في المنفى، منح الشيعة نصف العدد، ومنح السنة النصف الآخر (32)، لكن في هذا الاقتسام الزائف في عدله وانصافه، منح الأكراد (25) مقعدا باعتبارهم سنة! لا اطالب بحصة السنة العرب ضمن اطار المنطق المذهبي والطائفي المرفوض قوميا، لكن واضح ان تغييب السنة كان متعمدا، لأنهم هم الذين منحوا العراق الحديث وجهه العربي، فلطخ صدام سمعتهم بـ «عروبته» الشعوبية الاستئصالية، واعطى هذه المعارضة الفرصة لالغاء عروبته.
ذهب معظم حصة الشيعة الى ممثلي المرجعيات الدينية والمدنية المحسوبة على ايران او القريبة منها، لكن اين حصة القوى السياسية والمثقفة الشيعية الرافضة للمذهبية المتسيسة والحريصة حرص السنة على وجه العراق العربي؟
نعم، لا مكان لـ «الحزب القائد» او «حزب الطليعة» في عراق المستقبل. لقد انتهى دور هذه المؤسسات التي جعلت الانسان العربي العادي مواطنا من الدرجة الثانية او الثالثة. لكن كيف يكون العراق ديمقراطيا في هذه الدويلات الفيدرالية؟! كيف يتم التغيير وتداول السلطة والحصص موزعة وثابتة لا تتغير بين المذاهب والاعراق والاديان؟! بل هل يمكن لعراق مقسم مذهبيا وعرقيا ودينيا ان يكون نظامه ديمقراطيا؟!
اترك مسألتي الدولة والنظام لأعود الى القضية الاهم، الى عروبة العراق، لأقول ان المؤتمر الذي طرح نفسه القوة السياسية الاكبر في عراق المستقبل قدم الفيدرالية والديمقراطية وكأنهما بديلان للعروبة! لقد اختصرت دولة الاستقلال الوطن القومي الكبير منطوية على حدودها «السيادية». وفي الغاء السياسة وضرب القوى السياسية، ضاق وطن الاستقلال والانفصال ليتراجع الى وطن القبيلة والعشيرة والعرق والمذهب والدين. وهذه هي اللغة التي تحدث بها مؤتمرو لندن.
سقط منطق الوحدة القومية، بل اصبح النظام العربي «الاستقلالي» معرضا للضعف والتهميش في المركز. وفي زمن الطوائف بات الحديث عن العروبة وكأنه حديث خارج العصر والواقع وقابل للطعن بأنه حديث عنصري رافض للاقليات من مذهبية وعرقية. العراق الذي لا يحكم، في منطق صدام، الا بالابادة والاستئصال والحرب، لا يحكم، في منطق معارضيه، الا اذا تقسم وتشرذم فيدراليات و«غيتوهات» مذهبية وعنصرية!
بيان سياسي باهت يتحدث شكلا عن التزامات عراق ما بعد صدام الدولية والعربية باستثناء النفطية، لكن هل دولة عراقية ضعيفة وهشة في المركز قادرة على رسم سياسة العراق الخارجية؟ واذا كانت كذلك فمن يرسم سياسة العراق العربية؟ هل هي الفيدرالية الكردية؟ ام القوى المذهبية الشيعية المحسوبة على ايران او المتعاطفة معها؟
لا جواب؟ عراق «مفتوح» بالقوة العسكرية الاميركية ومحكوم بالقوى المذهبية والعرقية سيكون، حتما، محيدا عربيا، ومحايدا في القضية القومية الاولى (الفلسطينية) تماما كما بات نظام صدام مزايدا فيها (انظر الى جيشه المقدسي الانكشاري الذي يبدأ في بغداد وينتهي في القدس).
لقد انتصر الرئيس الاميركي الاسبق وودرو ولسون لمبدأ تحرير الشعوب في مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى. أميركا بوش تعود اليوم الى المنطقة كقوة احتلال لبلد عربي، وتعتمد قوى مذهبية وعرقية في حكمه وتغييب عروبته، مراهنة على الامل في تحويل فصيل شيعي، كفصيل الملا الحكيم، ليكون حزب «عدالة وتنمية» الذي اعتمدته حاكما مدنيا لتركيا ومشاركا في اللعبة الديمقراطية في المغرب.
اميركا بوش ستعتمد «قادسيتها» العراقية وشرعية «فتحها» له وتمركزها العسكري والسياسي فيه، لتمارس الضغط بالقوة على النظام العربي في المشرق والخليج لكي يغير أو يتغير، بدلا من ان تعتمد الديبلوماسية، لا الحرب، للضغط وللمساعدة في بلورة قوى سياسية وديمقراطية حقيقية.
انتهى كلامه....
|
|
|