في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , ظهر في مصر رجل يُدعى ( الأُصيبيغ )
أعلن أسلامه وبدأ يثير مسائل في صميم القرآن والحديث يريد أن يشتهر أمره , ويعلو شأنه
ومن المسائل التي أثارها قوله : أنتم تقولون محمد أفضل من عيسى ولذلك فإن محمداً سيعود
للدنيا مثل عيسى , والقرآن يؤيد ذلك في الآيه ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )
فاحتار عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرسل الى عمر رضي الله عنه يستفتيه فقال له :
أرسل لي هذا الأصيبيغ وإياك أن يفلت !
وعندما أحضره الجنود جمع عمر الصحابه رضي الله عنهم في المسجد ثم أدخله عليهم وقال له :
سمعنا يا أصيبيغ أنك تقول بكذا وكذا .... فهل هذا صحيح ؟
فقال الأصيبيغ : نعم
فقال عمر رضي الله عنه : وهل تسأل أيضا عن مسائل أخرى ؟
فقال : نعم ، أسأل عن كذا وكذا , وأبحث عند أمير المؤمنين عن إجابات لأسئلتي ؟
فقال عمر رضي الله عنه : سأجيبك حالا، ونادى الجلاد داخل المسجد وقال له :
ياجلاد اجلد .... فجلده الجلاد حتى أغمي عليه !
فقال عمر رضي الله عنه : طببوه ( أي داووه )
وبعد أن طُبب أحضره مرة أخرى وقال : ياجلاد اجلد .. فجلده الجلاد حتى أغمي عليه !
فقال عمر رضي الله عنه : طببوه
وبعد أيام أحضره للمرة الثالثه وقال : ياجلاد اجلد .. فجلد حتى غاب وعيه !
فقال عمر رضي الله عنه : طببوه
حتى إذا كانت المرة الرابعة ..قال عمر : ياجلاد .. فقاطعه الأصيبيغ : يا أمير المؤمنين ،
والله لا أسأل عن هذه الامور ماحييت !
فأوقف عمر الجلاد وأمر بإرساله الى الكوفه بعد أن كان يسكن مصر ...
فصاح الأصيبيغ : وأهلي ومالي !
فقال عمر : اذهبوا به إلى الكوفه فإنَّ فيها أميراً لاتقوم عنده فتنه إلاقطع رأسها -يقصد المغيرة
بن شعبة رضي الله عنه- وتم ارساله الى الكوفه وعاش الأصيبيغ هناكوحسن إسلامه!
وبعد نهاية الخلافة الراشدة وعندما ظهر المعتزله وأهل الكلام بعد ذلك قالوا بمثل ماقال به
الأصيبيغ ... فذهب إليه بعض الناس وكان شيخاً كبيراً ... فقالوا له : قد ظهر رجال يقولون
بقولك يا أصيبيغ فلم لاتكون معهم ؟
فتحسس الأصيبيغ على ظهره وقال : لا والله ، فقد علمني الرجل الصالح ..
نستفيد من ذلك أن الحزم والشدة من الحاكم مطلوبين وبالذات مع أهل الفتن ومثيري الشبهات
على الناس كأمثال الأصيبيغ , فهم حتى وان أجبتهم في مرة فإنهم لن يبارحوا حتى يعاودا الكرّة,
وهكذا سيطول بك الأمر , فهم لا يريدون اجابة على سؤال وكفى , بل يريدون فتح الأبواب
وتركها هكذا بلا اغلاق, لذلك كان موقف الفاروق عمر رضي الله عنه حازماً تجاه هذه الفئة,
وقطع رؤوس الفتنة قبل سريانها بين الناس.
هذا ليس معناه ان الشدة مطلوبة في كل الأحوال , بل على الحاكم أن يعرف متى يستخدمها
في محلها , ومتى يستعيض عنها باللين والتساهل , هذا