الموضوع: قطوف من الحكمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2003, 10:47 PM   #5
سيف الله
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية سيف الله
سيف الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3387
 تاريخ التسجيل :  01 2003
 أخر زيارة : 15-06-2003 (12:02 AM)
 المشاركات : 854 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بارك الله فيك
واسمح لي ان اضيف على مشاركتك مشاركتي وهي
الإنسان بين الحكمة والضياع

بقلم: الشيخ محمد العوامي

العقل يدعو إلى سلوك طريق الحكمة لأن السلامة فيها، وكذلك النجاة والكرامة والسعادة والراحة والخلاص، ولهذا فإن صاحب الحكمة هو الرابح حقاً والفائز وا لغني، و إن لم يكن يمتلك شيئاً من حطام الدنيا!

ولهذا يقول الله تعالى:" يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً"، ولكن أولوا العقول والأفهام هم الذين يدركون هذا المعنى ويعملون وفقه وطبقاً له. " وما يذكّر إلا أولوا الألباب" فأهل العقول هم الذين يعظمون الحكمة ويعرفون قدرها ويعطونها حقها. و أما الجاهلون فشغلهم الشاغل ماديات الدنيا الزائلة، وما أبعدهم عن معاني الحكمة الراقية، يقول الله عز وجل في حديثه القدسي: "الحكمة تبكي فرقاً مني وأنتم بالضحك تهجرون، أتتكم برائتي أم لديكم أمان من عذابي أم تتعرَّضون لعقوبت".

إن حقائق الحكمة تثير في النفوس المؤمنة والقلوب اليقظة الخوف والفزع، والحمقى متهورون لا يبالون، ولا يفكرون في العواقب، ولا يستعدون للمستقبل الذي لا شك أنه آتٍ بنتائج حلوة أو مرة.

وفي وصيته لموسى (ع) يقول الله: {يا موسى! صرخ إليك الكتاب بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة و التتابع في الشهوات ومن دون هذا جزع الصديقون}.

إن الحكمة هي الكنز و الشرف والنجاة والرفعة والسؤدد والعاقبة الحسنة والخاتمة السعيدة والنتيجة المغبوطة والثمرة المباركة، ومن لا ينتهج طريق الحكمة فعاقبته الحرمان والإفلاس والفقر والخسران والحسرة، وإن تمتع قليلاً بلذاتٍ لا تبقى وشهواتٍ زائلة، يقول لقمان الحكيم لابنه: "يا بنيَّ تعلَّم الحكمة تشرف بها فإن الحكمة تدلُّ على الدين، وتشرِّف العبد على الحر وترفع المسكين على الغني وتقدم الصغير على الكبير وتجلس المسكين مجالس الملوك وتزيد الشريف شرفاً والسيد سؤدداً والغني مجداً، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة، ولن يهيئ الله أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة".

وفي الحديث عن الرسول الأكرم محمد (ص) أنه قال: "كلمة حكمة يسمعها المؤمن فيعمل بها خير من عبادة سنة".

والسؤال: أين نجد الحكمة؟
نجدها في كتاب الله الذكر الحكيم والقرآن المجيد، ونجدها تجري على ألسنة أولياء الله المعصومين وعباد الله الصالحين الذين أكرمهم الله بنور الهدى وفي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال عن القرآن: "فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة".

والآن.. لنطلع على الحكمة التي تهدينا إليها إحدى سور القرآن العظيمة ألا وهي سورة لقمان وكل سور القرآن في غاية العظمة. وكيف لا تكون كذلك وقد قال العظيم عنها: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.

تبين السورة المباركة بأن الحكمة موجودة في آيات القرآن العظيم، ولكن لا يهتدي إليها ويستوعبها ويدركها ويستفيد منها إلا المحسنون، أما الظالمون والمجرمون والمسيئون فقد سحر ألبابهم غرور الدنيا فحجبهم عن حكمة القرآن.

ومن هم المحسنون، وما هي علاماتهم؟

إنهم الذين يقيمون الصلاة ولا يضيعونها، ويؤتون الزكاة متخلصين بذلك من أسر المادة ومزكِّين لأموالهم وأنفسهم ومقدمين ما عليهم من واجب تجاه الفقراء والمحتاجين، ويوقنون بالآخرة يقيناً خالصاً لا يشوبه شك و قوياً لا يتزلزل أبداً، له في نفوسهم وحياتهم آثار طيبة مباركة. إن هؤلاء هم الذين يعون الحكمة ويعملون بها، وبالتالي يفوزون بها فوزاً عظيماً.

و إلا هل يمكن أن يعمل بآيات الحكمة من لم يكن مطيعاً لربه متخلصاً من حب الدنيا موقناً بالآخرة؟! وإنما تتحقق الطاعة لله سبحانه بإقامة الصلاة بخشوع في كل يوم، ويتحقق الخلاص من حب الدنيا بدفع الحقوق الواجبة وكذلك المستحبة لمستحقيها، وأما اليقين بالآخرة فيتحقق بذكرها الواعي الجدِّي المستمر الذي يؤدي إلى ثبات المؤمن وصلاحه، ومن يتحلى بهذه الصفات الثلاث فهو من المهتدين المفلحين: {بسم الله الرحمن الرحيم، ألم، تلك آيات الكتاب الحكيم، هدىً ورحمة للمحسنين، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} ولكن كثيراً من الناس اختاروا منهاجاً آخر غير منهاج الحكمة الذي تهدي إليه آيات القرآن: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ، وإذا تتلى عليه آياتنا ولَّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم}.

ما هو لهو الحديث الذي اشتراه الجاهل الأحمق بكل ما يملك من مال و جهد وطاقة وعمر ورضي به بدلاً من أحسن الحديث المنزَّل من رب العالمين؟!

إنه اللغو والباطل والغناء والكلام المزخرف الذي لا ينطوي على حقيقة، والأحاديث الفارغة الكاذبة والأقاصيص الأسطورية التي لا طائل من ورائها إلا الضياع... وما هي عاقبة كل ذلك؟ وما هي الثمرة التي سيجنيها صاحبها؟ ليس إلا العذاب المهين الأليم، أما الذين يؤمنون بالقرآن ويعملون بما فيه من الحكمة فلهم أفضل النتائج وأغبط العواقب. {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم، خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم}.

وما الذي يضمن للصالحين دخول الجنة والخلود فيها وتحقق وعد الله؟

إنها عزة الله وحكمته، فهو العزيز القادر على كل شيء، وهو الحكيم الذي شاء بحكمته إكرام من يجتنب محرمات الدنيا ولذائذها الباطلة ولهوها والأعمال العبثية اللاهادفة، إنه الله العزيز الرحيم، وخلقه للسماوات يهدينا إلى عزته وقوته، وخلقه للأرض وما فيها من آلاء ونعم يهدينا إلى رحمته بعباده، فهل بعد ذلك نختار الباطل ونؤثر الحياة الدنيا على طاعته ونفضل اللهو والعبث؟!

{خلق السموات بغير عمدٍ ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبثَّ فيها من كل دابَّة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيهامن كل زوج كريم ، هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين}.

بعد ذلك تنقلنا السورة إلى التعرف على وصايا رجلٍ حكيم عاش في الدنيا في الزمن القديم ولكنه عرف كيف يعيش، حين استنارت حياته بنور فكره ، وعظَّمه القرآن حيث خلَّد ذكره وحكمته إلى آخر يوم من أيام الدنيا، فطوبى له.


 

رد مع اقتباس