عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-2010, 11:27 PM   #1
بسمة الغد
نائب المشرف العام سابقا


الصورة الرمزية بسمة الغد
بسمة الغد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 23323
 تاريخ التسجيل :  03 2008
 أخر زيارة : 21-11-2016 (11:29 PM)
 المشاركات : 5,253 [ + ]
 التقييم :  217
 الدولهـ
Jordan
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Burlywood
الوعي النفسي بين الفارابي وفرويد



خلال تصفحي أعجبتني هذه المقارنة وأحببت نقلها لكم .


الوعي النفسي بين الفارابي وفرويد




كذلك هو الحال فيما يتعلق بالتحليل النفسي الذي يستند إلى فرضيات وتجارب نفسية نشأت في ظلال المجتمع الغربي، يحاول علماء نفس مسلمون تطبيقه على مجتمعاتهم دون مراعاة الاختلاف بين مجتمع غربي تميل ثقافته إلى الإلحاد، والنظر إلى حرية الجسد الإنساني نظرة مقدسة، والحط من القيم الاجتماعية والأخلاقية، وبين مجتمع إسلامي يتسبب الإيمان بالله الواحد فيه بالاستقرار النفسي الذي يضع القيم والأخلاق في اتزان بين الفرد ومجتمعه، ويتبادر لكثيرين من أبناء هذه المجتمعات – المسلمة- لا سيما أولئك الذين يتلقون نظريات علم النفس الغربية في أطر أكاديمية، لا كفرضيات تقبل الخطأ والصواب، بل كمسلمات بدهية ،و لهذا فهم يظنون أنها تناسب الإنسان على اختلاف بيئاته المجتمعية، والمعتقدات التي ينشأ عليها، وأما العلماء منهم فيذهبون إلى تطبيقها على الحالات النفسية المرضية لأبناء مجتمعاتهم الإسلامية، مسهبين في التشخيص لتأكيد صحتها، غير مدركين لخطورة ما يقومون به على المدى البعيد.وفي معرض إثبات التعارض بين طريقة الوعي النفسي كما يراها الإسلام والغرب نعرض لمقارنة نجدها تمثل هذا الاختلاف الجذري بين الفارابي الفيلسوف المسلم وبين سيجموند فرويد رائد التحليل النفسي في الغرب، من خلال غاية كل منها في الوصول إلى وعي الذات والآخر بغرض تحقيق السعادة الإنسانية.


السعادة عند الفارابي:


لقب الفارابي أبو نصر محمد بن محمد بالمعلم الثاني بعد أرسطو وذلك لتعلقه بكتاب النفس لأرسطو والذي خط في بدايته (قرأت هذا الكتاب مئة مرة)، وهو الذي درس المنطق على إمام المناطقة أبي بشر متى بن يونس ويوحنا بن حيلان، وعاصر أبا حسن الأشعري، وأبا منصور الماتريدي، واشترك معهما في مباحث الكلام والفلسفة، وكان بارعاً في علوم الموسيقى.

وفي مؤلفه (تحصيل السعادة) يرى الفارابي أن السعادة هي هدف كل إنسان، فهو أنى وأينما كان يهرول وراء السعادة، فالسعادة التي يحللها ويضع لها معالم مميزة تحقق الآمال المتوخاة، وهي من الخيرات التي تؤثر لأجل ذاتها، لا لغيرها، وما كان كذلك فهو آثر وأكمل، فهي هدف الأهداف لا لذاتهما، بل لغيرها، كالثروة والشهرة مثلاً.

يذكر الفارابي الأسباب المؤدية إلى السعادة كملكة الخُلق الجميل، وقوة الذهن، ثم يتعرض لأحوال الإنسان التي يلحقه بها مدح أو ذم ويحددها في ثلاثة:

1ـ الأفعال: كالقيام والعقود وغيرهما.

2ـ عوارض النفس: كالاشتهاء والفرح والترح.

3ـ التميز الذهني.

ثم يقسم هذه الأمور على طريقته، فالأفعال جميلة وقبيحة، ولا تنال السعادة بالأفعال الجميلة بل تكون طوعاً واختياراً، ومعنى جمال الفعل عند الفارابي أن يكون جميلاً ، ومحبوباً لذاته، لا لشيء آخر خارج عن ماهيته ، والعوارض أيضاً جميلة وقبيحة، والتميز جيد ورديء.ويشترط هنا أيضاً ما اشترط في الأفعال ، وكل ذلك يخضع لحالتين: ما ينبغي وما لا ينبغي، فمن كانت له قوة الملاحظة والإرادة ، وميز بين الحالتين وأخذ بما ينبغي، وترك ما لا ينبغي، كان على الصراط المستقيم.

ولا تنال السعادة بالأفعال وعوارض النفس ما لم يكن للإنسان خلق جميل، ولا بجودة التميز ما لم تكن له قوة الذهن ، ولا تولد الأفعال الجميلة ، وقوة الذهن مع الإنسان، بل يكتسبهما بالتعود والمراس، كما يشاهد في أهل المدن من ممارسة السياسة، وأعمال الخير ، فإنهم لا يولدون هكذا وإنما يتدربون .

ثم يُحدّ الفارابي الأفعال الجميلة بالاعتدال، فالفعل الجميل هو الوسط، لا فيض ولا غيض، ويسوق لذلك برهان الأطباء، فالطعام متى كان متوسطاً حصلت به الصحة، وكذا التعب ، فإذا ازدادا أو نقصا لم تحصل بهما الصحة ، وكذا أحوال الأفعال ، متى كانت معتدلة
ـ أي في حدود الطاقة ، لا إفراط ولا تفريط ـ كانت جميلة و إلا كانت قبيحة.

وكما أن الطبيب المعالج يجعل مقدار العلاج على مقدار ما يحتمل مزاج البدن، ويلائم زمان العلاج ومكانه و غيرهما، كذلك علينا
ـ ويقصد الفارابي بهذا الضمير: علماء النفس والتربية والأخلاق أو الدين والاجتماع - الوقوف على المقدار الوسط في الأفعال، فنعرف زمان الفعل ومكانه ومن منه ، وإليه به ، وله الفعل، ونجعل الفعل على مقدار كل واحد من هذه ، فحينئذ نكون قد كسبنا الفعل المعتدل لا يزيد ولا ينقص، وهو المطلوب.

فالشجاعة هي الخلق الجميل، ويحصل بتوسط في الاقدام على الأشياء المفزعة والإحجام عنها، وإذا نقص الإقدام عليها نتج التهور وهو خلق قبيح ، وإن نقص الإقدام عليها حصل الجبن وهو خلق قبيح، وكذلك العفة التي تحدث بتوسط في التماس اللذة التي هي عن طعم ونكاح، والزيادة في هذه اللذة تكسب الشره، و النقصان فيها - وذلك يحصل في حالات العجز ـ يكسب عدم الحس باللذة وهو مذموم.

ويعرض الفارابي لشرح اللذات فيصنفها: منها ما يتبع المحسوس مثل اللذات التابعة لمسموع، أو منظور إليه، أو مذوق ، أو ملموس ، أو مشموم.

ومنها ما يتبع المفهوم ، مثل اللذات التابعة للرياسة والنشاط والغلبة والعلم وما أشبه ذلك.

ونحن دائماً إنما نتحرى أكثر اللذات التي تتبع المحسوس، ونظن أنها هي غاية الحياة وكمال العيش ، من قبل اصطباغنا بها من أول الوجود.

وأيضاً فإن منها ما هو سبب لأمر ضروري : إما للعالم المحيط بنا، أو لنا ، مثل التغذي الذي به قوام حياتنا، وأما الذي للعالم فهو التناسل، فلهذا صرنا نظن أنها غاية العيش ، و نظنها هي السعادة، ومع ذلك فإن المحسوس أعرف عندنا ونحن له أشد إدراكاً، والوصول إليه أشد إمكاناً، وقد تبين بالنظر والتأمل أنها هي الصارفة لنا عن أكثر الخيرات، وهي العائقة لنا عن أعظم ما تنال به السعادة فإنا متى رأينا أن لذة محسوس تفوتنا بفعل جميل، ملنا إلى تنكب الجميل، ومتى بلغ من قوة الإنسان إلى أن يطرح هذه اللذات، أو ينال منها الوسط ، فقد قارب الأخلاق المحمودة.

واللذات التابعة للأفعال أكانت لذة المحسوس ، أو لذة مفهوم، فهي إما عاجلة وإما في العاقبة، وكذلك الأذى .

وكل واحد من هذه اللذات التابعة للأفعال يتبع على أحد وجهين وذلك إما أن يكون شأن ذلك الفعل بأن تتبعه اللذة أو الأذى على الدوام ، كالألم الذي يتبع الاحتراق، فإن شأن الاحتراق إذا لحق بحيوان أن يتبعه أذى وألم ، وأما أن يتبع الفعل بأن يفرض في الشريعة الأذى اللاحق له مثل جلد الزاني وقتل القاتل والأفعال الجميلة التي يتبعها أذى في العاجل، فإن تلك لا محالة تتبعها لذة في العاقبة ، والأفعال القبيحة التي تتبعها لذة في العاجل، فإن تلك يتبعها أذى في العاقبة لا محالة، وينبغي أن نحصل اللذات التابعة لفعل الفعل ، والأذى التابع لها ، ونميز ما منها لذته عاجلة ،و أذاه في العاقبة ، وما أذاه عاجل ولذته في العاقبة.

بمثل هذا الوعي النفسي لحاجات الإنسان والحدود التي يجب أن تقف عندها هذه الحاجات يعرض الفارابي لكتابه « تحصيل السعادة » انطلاقاً من فهمه للتعاقد الاجتماعي الذي ينجم عن أفعال وحاجات الأفراد فيه.

يتبع ,,,

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس