أبناؤنابين ميول الصِّغار وتعنت الكبار
وطالما أن عصرنا يتسم بالتخصص الشديد فإنه لابد من مراعاة هذا الأمر أثناء تقييمنا وتحسسنا لمهارات وقدرات وميول أبنائنا وصولا إلى ما ينسجم مع هذه المهارات والقدرات والميول فيما يؤدونه مستقبلا من مهن وأعمال ووظائف.
كما أن لكل عصر طبيعة كما ذكرت من قبل، فكذلك لكل مهنة طبيعة خاصة، الطبيعة الخاصة للمهنة تتطلب ممن اختارها أن يكون متوافقا ومنسجما معها، إذا أراد أن ينجح ويبدع فيها، أما الإنسان الذي يذوق مرارة الاخفاق فهو الذي ارغمته الظروف أو أهواء من يجبرونه على أن يلتحق بمهنة لم يخترها بإرادته الحرة.
كما أنها لا تبدو مريحة له، نتيجة عدم التوافق بينها وبينه. على سبيل المثال.. هل يمكن أن ينجح إنسان ذو شخصية انطوائية تميل إلى العزلة والاعتكاف في مهنة أو عمل من الأعمال التي تتطلب احتكاكاً مع الناس من مختلف الأذواق والأمزجة، مثل مهنة »العلاقات العامة« وشبيهاتها؟.. بالطبع لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن ينجح، لأن الفشل لابد أن يلاحقه فيها تماما مثل ظله! لهذا كله أقول إن اختيار المهنة الملائمة للإنسان لا يتم إلا بعد مرحلة اختيار نوع الدراسة المتخصصة والمتوافقة مع من يدرسها، وهذا يؤكد لنا أن أولى الخطوات في طريق نجاح الأبناء مستقبلاً، تتمثل في توجيههم إلى التخصصات التي يميلون إليها، لا تلك التي يميلون عنها.
وإذا كانت هناك طرق عشوائية أو تلقائية للتعرف على الميول والرغبات، فهناك أيضا طرق علمية محددة للتعرف عليها من خلال اختبارات تحديد الميول والقدرات هذه الاختبارات يمكن أن تقدم للطلاب والطالبات في بدايات حياتهم الجامعية وقد رأيت أثناء دراستي في الولايات المتحدة أن هذه الاختبارات تجرى للطلبة والطالبات حتى قبل المرحلة الثانوية- فمن شأن هذه الاختبارات أن تنير لهم الطريق وأن تجعلهم يتعرفون بصورة دقيقة على ما قد يكون خافيا عليهم مما يمتلكونه من ميول ورغبات ومهارات كافية، تترقب من يساعدها لكي ترى النور على أرض الواقع.
هذه الاختبارات بطبيعة الحال لا تعتمد على العشوائية أو التلقائية في اعدادها، وإنما تعتمد على دراسات متأنية، تهدف إلى أن يقيس كل طالب ميوله المهنية، انطلاقا من أن التخصص العلمي - في الحاضر - هو الذي يتكفل بتحديد مهنة هذا الطالب بعد تخرجه في الجامعة - في المستقبل وأستطيع هنا أن أشير إلى مقاييس عملية سبق لي أن طبقتها على بعض الطالبات في جامعة قطر اثناء عملي بها سواء كمرشدة نفسية قبل حصولي على الدكتوراة او اثناء عملي كأستاذ مساعد وأثناء التدريس الجامعي لمن تطلب مني من الطالبات قبل التخصص الدقيق.. وذلك على ضوء نتائج تلك الاختبارات.
أما الآن فهناك الكثير من هذه الاختبارات على النت التي تقيس الميول المهنية للإنسان ومن لا يستطيع القيام بها او معرفة نتائجها يستطيع اللجوء للمتخصصين لمساعدته، فهناك بعض المراكز التي تساعد الطالب بعد الثانوية العامة وتوجههه على اختيار تخصصه الذي يناسب شخصيته وإمكاناته الفعلية وعادة اغلب هذه الاختبارات تقيس مجموعة من ميول متعارف عليها للافراد أهمها:
الميل الخلوي، الميل الميكانيكي، الميل الحسابي، الميل العملي، الميل الاقناعي، الميل الفني، الميل الادبي، الميل الموسيقي، الميل للخدمة الاجتماعية الميل الكتابي الميل الرياضي، الميل التجاري، الميل الى المخاطرة، الميل الى المسايرة، واخيرا الميل الى العطاء.
واعتقد ان كل ما علينا نحن الكبار ان نفسح الطريق لميول الصغار ورغباتهم سعينا لآفاق مستقبل مشرق لهم، اما اذا لم نصل لذلك فاننا في هذه الحالة نكون قد صادرنا هذه الميول والرغبات، وهذا بدوره يجعل ابناء الجيل الاتي يسقطون في مستنقع الخيبة، ليذوقوا مرارة الاخفاق، وهذا بالطبع ما لا نرضاه لانفسنا ولهم من هنا اكرر الخاتمة قولي علينا أن نفتح الطريق للميول والرغبات سعيا لآفاق مستقبل مشرق لأبنائنا.
|