عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2003, 04:55 PM   #2
أبو مروان
................


الصورة الرمزية أبو مروان
أبو مروان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 328
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 28-09-2010 (01:57 AM)
 المشاركات : 3,903 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الجزء الثاني من قضيةالجهلبالنسب
[COLOR=darkred] أن المرأة لما رجعت مرة أخرى أمرها النبي بأن تستودعه أي أن تستحفظ إياه أسرةً تتولى رعايته فذلك مهم في تربيته ونموه. وهذا ما يفهم من لفظ الوديعة، فهي (أمانة تُرِكت عنْد الغير للحفظ قصْدا). التعريفات للجرجاني.

أن في تشبيه النبي الطفل بالوديعة عبارة راقية في الوصف من جهة، و هو مِن جهة أخرى إشارة إلى زيادة الحرص الذي ينبغي أن يحظى به الولد، تماما كالحرص الذي يحيط بالوديعة عادة حتى لا تضيع.

إن هذا الحديث السابق يشير من جهة إلى كيف نظر الشرع إلى الابن غير الشرعي على أنه طفل عادي ضمن له حق الوجود والرضاع فما بالك باللقيط المجهول.

ومن جهة أخرى يؤسس هذا الحديث علاجا ناجحا لمجهولي الهوية بأي سبب كان بأن يسلموا إلى أسر أمينة تتولى أمر رعايتهم، وفي رواية أخرى للحديث جاء فيها أن النبي [دَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] رواه مسلم. وهكذا تبين لنا بنص الحديث أن الشرع قد تولى بالحفظ والرعاية الابن مع كونه غير شرعي باعتراف أمه وذلك في إشارة إلى أن الطفل اللقيط الذي قد يكون شرعيا ولا يعرف له أم ولا أب أولى بالحفظ والرعاية لانقطاعه تماما.

ثالثا: مـن أيـن تنـبع الـمـشكلـة؟:

لاشك أن الواقع يشير إلى وجود أطفال مجهولي الهوية يعانون من مشاكل انعكست بصورة مدمرة على صحتهم وأخلاقهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ولكن الذي يظهر أيضا من استقراء هذه المشاكل أنها لم تولد معهم وإنما ظهرت بعد عدة سنوات من أعمار هؤلاء مما يوحي بأنهم ليسوا إلا انعكاسا سلبيا للبيئة التي نشأوا فيها، كما أن هذه المشاكل ليست حتمية الظهور مع كل طفل مجهول الهوية، بل يوجد أطفال مجهولي الهوية أُحسنت رعايتهم لا يعانون من أية مشكلة، مما يدل على أن سبب هذه المشاكل يكمن في شيء آخر غير الجهل بالهوية.

إن قضية وجود أيتام مجهولي الهوية حقيقة واقعة وستظل كذلك وليست هذه هي المشكلة، إنما المشكلة في فهم طبيعة ظروف هؤلاء، وفي عدم إيجاد الحل المناسب للمشكلة بالرعاية المناسبة، وإلا فما الذي يجعل من ولد صغير لا حول له ولا قوة معضلة؟ ما الذي يحوّل طفلا جهل والديه إلى مشكلة متفاقمة مستعصية على الحل في المستقبل؟ إنه الإهمال بكل تأكيد، إنها سوء الرعاية منذ البداية، يدل على ذلك أن كل المشاكل التي عانى منها بعض الأطفال مجهولي الهوية، إنما ظهرت في مرحلة لاحقة من حياتهم أي بعد سنوات من الرعاية السيئة.

هناك مثل يقول: مَنْ صَحَّتْ بدايتُه، أشرقت نهايته. ومعناه أنك إذا أردت أن تضمن النهايات فعليك أن تكون مسيطرا على البدايات، لأن البداية السليمة على الطريق تعصمك من الانحراف فيه، وتضمن لك وصولا آمنا إلى النهاية.

فالمشكلة تبدأ إذن إذا كان الاهتمام بالطفل اللقيط في مرحلة متأخرة من عمره عندما يكون قد تقدم في السن، وتكون مشاكله قد نمت واتسعت دون أن يتلقى رعاية صحيحة في طفولته. ولا يختلف إثنان أن التغيير في هذه المرحلة ليس بالأمر السهل إذ يتطلب أضعاف المجهود الذي يبذل مع الطفل حال كونه طفلا.

أضحى يمزّق أثوابي ويضربني أبعْدَ أربعين يبغي عنديَ الأدبا؟!

إن الطفل في نظر الاسلام هو مشروع إنسان صالح يتطلب عناية فائقة وهو ما يفسر طول فترة الطفولة عند الانسان قياسا عند غيره من الحيوان، ومن رحمة الله تعالى أن جعل بداية الانسان بهذا الضعف، أي أنه يكون في حالة تبعية مطلقة وقابلا للتشكيل والتنشئة حسب البيئة التي يوضع فيها. (ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ عما عوده المربي في صغره... ولهذا نجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قِبل التربية التي نشأ عليها) ابن القيم في تحفة المودود.

نقول: لن يواجه الطفل مجهول الهوية أي نوع من المشاكل النفسية أو الاجتماعية، إذا أحسن المجتمع التعامل مع حالته وهو صغير، وتعهده منذ نعومة أظفاره بالرعاية الشاملة لكل جوانب التربية. وإذا كان القرآن الكريم يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} النحل. فهذا يعني أن المولود يخرج إلى هذه الحياة صفحة بيضاء، ويعني هذا أيضا أننا نحن الذين نتحكم في طبيعة المعلومات التي يتلقاها الطفل إلى أن يكبر وتصبح هذه المعلومات جزءا لا يتجزأ من شخصيته وسلوكه. ومصداقه الحديث الشريف: [مَا مِنْ مَوْلُودٍ ُ إِلاَّ يُولَد عَلَى الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ] رواه البخاري. فهذا الحديث أصل عظيم في التربية، كما أنه عامّ في كل مولود ولم يفرق بين طفل وطفل. وهو يشتمل على فوائد عديدة نقتصر على ذكر ما له علاقة بالموضوع ونقول:

يمثل الأبوان القدوة الأساسية والمثل الأعلى للطفل الذي يُخلق متطلعا إلى من يقتدي به. ونرى أن القدوة الصالحة ولو كانت من غير الأبوين الأصليَيْن، جديرة بأن تسد فراغا كبيرا لدى الطفل الذي حُرم من والديه. فالصُّور الأبوية التي يراها مجهول الأبوين كل يوم أمامه أثناء رعايته، تحقق له إشباعا غريزيا يشعره بالأمن والثقة بالنفس كما يحدث عند الطفل العادي سواء بسواء. وذلك لأن جزءا كبيرا من طبيعة الطفل وتكوينه يقوم على التقليد والمحاكاة، وهذه مصدر مهم في اكتساب المبادئ الأولية للمعرفة. والحديث شاهد على أن الطفل يولد صفحة بيضاء ينتقل إليها كل مايحيط به من المسموع والمنظور. يقول أحد علماء الاسلام: (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خال من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يُمَال به إليه. فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة... وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم، شقى وهلك) الغزالي في الإحياء.

كما أن التغير والتطور من خصائص الطفولة. والطفل الصغير له قابلية مطلقة للتغير بسهولة إلى الخير أو إلى الشر، والحديث يشير إلى أن هذا التغيير قد يكون في العقيدة وهي أرسخ شيء، فلو جئنا بمولود مجوسي ليربيه أبوان مسلمان، فإن نتيجة هذه التربية طفل مسلم موحِّد. ولا شك أن التغيير فيما دونها أسهل.

والمقصود أن تلقين الطفل مجهول الهوية حقيقةَ ظروفه في مرحلة مبكرة من حياته بأسلوب حكيم في ظل رعاية آمنة، خطوة أولى على طريق الخروج من مأزق الجهل بالهوية، وعامل استقرار مهم إذا بلغ مرحلة الوعي بالذات، يقيه صدمات نفسية عنيفة قد تظهر في أي مرحلة من حياته.



ومن الأمور الملفتة حقا في موضوع التعامل مع اليتيم مجهول الهوية ما يمكن أن نعده خطة تربوية متكاملة تتعهد الطفل بالعناية من حين ولادته إلى أن يستقل راشدا، وهذا ما يدل عليه مجموع الآيات والأحاديث إذا نحن نجحنا في استبطان بعض مضامينها. ويبرز من بين هذا المجموع الغزير حديث شريف هو رسالة إلى كل من ضم إليه طفلا يتيما، وحجة على كل المربين والمصلحين. جاء في الحديث: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مِمَّا أَضْرِبُ مِنْهُ يَتِيمِي؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: [مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ] رواه ابن حبان. فالذي يتبادر إلى الذهن من معاني هذا الحديث أمور عدة منها:

هذا السائل يمثل نموذجا للرؤية العامة التي كانت سائدة في المجتمع وقتئذ، وهي التحرج من معاملة اليتيم بما يؤذيه خشية الوقوع في الإثم. وكان هذا حسا عاما لدى المسلمين في حفظ حقوق اليتيم عملا بأوامر الشرع. فعن ابن عباس t أنه لما نزلت [ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن]... انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفْضُل من طعامه – أي اليتيم - فيُحبَس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله [ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح] البقرة. (والله يعلم المفسد في أمورهم بالمخالطة من المصلح لها بها فيجازي كلا حسب فعله أو نيته ففي الآية وعيد، ووعدهم وقدم المفسد إهتماما بإدخال الروع عليه). روح المعاني.

يلامس الحديث في السائل عمقا نفسيا بعيد المدى في العملية التربوية هو عمق الارتباط الفطري بين الأبوة والبنوة. والتوجيه النبوي يقرر أنه من الممكن حصول هذا الارتباط النفسي بين الرجل والطفل الذي يكون من غير صلبه. وهذه العلاقة العاطفية بين اليتيم وكافله، من حب وعطف ورحمة... هي التي تكون مانعا له من الاسراف في معاقبته.

يضع الحديث اليتيمَ في مقام الولد. وإن كان الشرع قد حرم عليه النسب ومتعلقاته، إلا أنه ضمن له سائر الحقوق الأخرى. فالمفهوم من الحديث هو عدم التمييز بين الإبن واليتيم لأنه إذا أُمر بأن يساوى بينهما في الضرب فمن باب أولى هو مأمور بالمساواة بينهما في الأمور الأخرى.

الحديث يؤكد على الضرب كأسلوب مشروع للعقاب. و هو بالمعنى الذي ورد في الحديث [مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ] بديل ناجح للأساليب الخاطئة التي تنتهجها بعض العاملين في المؤسسات الإيوائية في العقاب والمبالغة في الضرب إلى درجة التعذيب. فهل يضرب المربي هناك الأطفال مما يضرب منه أولاده؟ وهل يضربهم بنفس القدر والكيفية التي يضرب بها أطفاله؟. إن الحاصل أن العلاقة بين الطفل والمربي في تلك المؤسسات علاقة رسمية مهنية وليست علاقه روحية مستمدة من عاطفة الأبوة التي تركز على إشباع متطلبات مرحلة الصغر ومخاطبة الشخصية الطفلية بما يناسبها من الأقوال والأفعال.كان النبي صلى الله عليه وسلم [يُدْلِع لسانه للحسين فيرى الصبي حُمْرة لسانه فيهش إليه] رواه ابن حبان. وعن جابر t قال: [دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وهو يقول: نِعم الجمل جملكما] رواه الطبراني.

يتبع الجزء الثالث والأخير


 

رد مع اقتباس