عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2003, 04:58 PM   #3
أبو مروان
................


الصورة الرمزية أبو مروان
أبو مروان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 328
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 28-09-2010 (01:57 AM)
 المشاركات : 3,903 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


هذا هو الجزء الثالث والأخير من موضوع:
قضيةالجهلبالنسب

رابعا: قيـمـة الأمـومة والأسـرة:

الأم أشد التصاقا بالطفل من الأب، فلا عجب إن ترك غيابها فراغا لا يسده غيرها. ولمكانتها في العملية التربوية خصص لها الإسلام ثلاثة أرباع الإحسان المأمور به شرعا في قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} الاسراء، قال رجل يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أَبَاكَ...الحديث.وذلك في مقابل ثلاث وظائف لا يقوم بها غير الأم، وهي الحمل والوضع والرضاع. فالطفل الذي يفقد أمه لأي سبب من الأسباب، يجب أن يُعهد به فورا إلى امرأة تكون مهيأة للقيام بدور الأمومة لأنها وحدها – أي الأمومة - القادرة على أن تضطلع بمهمة التعقيم النفسي ضد الآفات التي تهدد ذاته النفسية.

وقد أثبتت الدراسات النفسية أن صحة الطفل النفسية والعاطفية لا تتوقف على توفير الضروريات الجسدية فقط، وإنما تتعداها إلى تلبية حاجاته الفطرية إلى الحب والعطف والطمأنينة والقَبول... يستعين بها على إنضاج قوته العقلية والجسمية، وعلى إنجاح توافقه النفسي والاجتماعي. فحاجة الطفل المولود ـ وبشكل خاص ـ إلى أم، ليس أمرا ترفيهيا بل هو لازم مهم وشرطُ صحة في إجراء العملية التربوية. وتأكيدا لهذه النقطة نذكِّر بهذه الدراسة (التي أجْرت مقارنة بين أطفال رُبُّوا في مؤسسات توفرت فيها كل أسباب الرفاهية والعناية، وأطفال ربوا في السجون مع أمهاتهم المنحرفات. فظهر أن نمو أطفال المجموعة الثانية كانوا أوفر حظا بكثير ومن جميع النواحي النفسية والعقلية وحتى الجسدية قياسا إلى أطفال المجموعة الأولى). عن مجلة الثقافة النفسية.

ومعلوم أن الصلة العاطفية بين الأم وطفلها تبدأ وهو لا يزال في بطنها، وتمثل تحركاته ورفساته داخل البطن بداية التواصل مع أمه، يُشعرها بأنه موجود وأنه قادم قريبا. فإذا كانت الأم مستبشرة به وتنتظر قدومه بلهفة، انعكس هذا الإحساس بالقَبول على الجنين وساعد في بداية نموٍّ عاطفي سليم، أما عكس ذلك فيورث الجنين ما يشبه حالة الاكتئاب عند الكبار. ولهذا السبب ينصح الأطباء الأمهات بالمحافظة على حالة نفسية إيجابية أثناء الحمل. كما أنه من الأمور الجديرة بالملاحظة أن الأم إذا ولدت ثم جيء لها بولد غير ولدها فإنها لاتدرك ذلك، على عكس الحيوان الذي يدرك بالغريزة والقوة الشمية أن هذا ليس بولده. وهذا يؤكد أن أي امرأة تصلح أن تكون أما ناجحة حتى مع غير ولدها.

يقال بأنه (لا يوجد طفل مضطرب، بل توجد أسرة مضطربة). وهذا يعني أن الاضطراب في شخصية الطفل هو حالة مكتسبة من الأسرة التي ينتمي إليها، مما يعني أن الطفل السليم نفسيا والمتوازن صحيا، هو حصيلة تربية متوازنة داخل أسرة مترابطة مستقرة.

إن الدخول إلى عالم التوافق النفسي والاجتماعي ليس له إلا بابا واحدا هو الأسرة، وليس فقط الأسرة الصالحة ولكن أيضا الأسرة التي لا تفتقر إلى الوعْي التربوي والتوجيهي. فهذه هي التي ستنجح في أن تزرع في وجدانه مختلف المشاعر الإيجابية حول ذاته والآخرين مما يوسع مساحة التفاعل ويضيّق رقعة الإنطواء. فالذي يجعل سلوك أي شخص إيجابيا مثمرا هو نظرته لذاته أولا، ومدى ثقته بنفسه واحترامه لشخصه، من هنا يبدأ طريق النجاح في الحياة. فلا يمكن أن نتوقع عملا متفائلا من شخص متشائم، ولا أن ننتظر سلوكا إيجابيا من رجل سلبي منعزل.

وهنا نتساءل: أليس للمجتمع أيضا ونظرته إلى الشخص تأثير على تكوينه؟ ألا تؤثر نظرة البرود والازدراء على تفاعل الفرد وفاعليته؟. والجواب هو: نعم.

فتقدير الفرد لذاته ينبع أساسا من المكانة التي يحتلها في نظر الآخرين، فإن كان منبوذا مطرودا يشار إليه بأصابع التهمة وتطلق في حقه ألفاظ التجريح، انعكس هذا على وضعه النفسي والسلوكي فتراه منطويا خجولا يتحاشى الناس ويهرب من الارتباط بهم. وهذا التفاعل السلبي عمت به البلوى ولم ينج منه حتى الأطفال ممن يعيشون في أسر طبيعية، وهذا ينطبق تماما على اللقيط وفكرة الناس عنه ونظرة المجتمع إليه، بل إن معظم مشاكله سببها بيئة لا تكثرت ومجتمع لا يهتم مما يضاعف نسبة تعرضه لعدة أمراض نفسية خطيرة تهدد حاضر اللقيط ومستقبله، وترشحه للفشل المبكر في حياته، مما يعني أن منشأها ليس ظروف اليتم أو الحرمان من الوالدين أو الجهل بالنسب، وإنما الأسلوب الخاطيء في التربية وتجاهله وعدم لفت الانتباه إليه، وطبيعة التجارب القاسية التي يمر بها اليتيم ونوعية الخبرة التي اختزنها في ذاكرته الصغيرة، فقادته إلى العزلة والانطواء، الخوف والخجل، الصمت وقلق التجنُّب الذي يجعل العلاقات الاجتماعية في حكم المستحيل، ويقضي تماما على فرصة التواصل الناجح مع الأقران، إضافة إلى اضطرابات أخرى سلوكية وأخلاقية. وكثيرا ما يتصاعد ضغط هذه المشاكل في تطور مرضي لدى هؤلاء الأيتام المجهولين للبحث عن المسؤول عن هذا الوضع المعقد، لتكُون الحصيلة فردا مريضا وشخصية مضطربة تشقُّ طريقها نحو الانحراف الشامل، فلا يجدون إلا أنفسهم يوجهون إليها اللوم، فيتجهون نحو الاقتصاص من الذات بإيذائها وتمني الموت لها.

والمقصود أننا إذا نجحنا في إيجاد الأسرة الصحيحة لرعاية اليتيم من مجهولي الهوية وعلى رأسها الأم الحاضنة سننجح بتوفيق الله في إيجاد شخص ناضج عاطفيا وعقليا، محصنن في الوقت نفسه ضد الكثير من المشاكل والعقد النفسية التي تعرقل سير حياته.

نتوصل من خلال هذه المحاور الأربعة إلى نتائج عامة حول مشكلة جهل الهوية، أولها: أن مجهول الهوية ليس طرفا مسئولا في هذه المشكلة.

ثانيها: أن جزءا من المشكلة كامن في نظرة المجتمع له.

ثالثها: أن معاناة مجهول الهوية من عدة مشاكل راجع إلى إهماله وهو صغير.

رابعها: أن الحل الأمثل لهذه المشكلة في تسليمه إلى أسرة بديلة تجمع إلى كونها صالحة، القدرة في التربية والتوجيه.


منقول بتصرف من موقع الأيتام ( فريق العمل الأجتماعي)
ومنهم أبو مروان
13/1/1423
الدمام
[/COLOR]


 

رد مع اقتباس