عضـو مُـبـدع
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1646
|
تاريخ التسجيل : 05 2002
|
أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
|
المشاركات :
711 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الغيرة
الغيرة
يقول ابن القيم رحمه الله : ! إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله " .
إن النفس البشرية عالم غريب, وسرّ عجيب, حيث تتفاوت النفوس تفاوتاً عجيباً, وتختلف اختلافاً كبيراً. منها ما هو في الثرى ومنها ما هو في الثُريّا .. فهناك نفوس زكيّة مطمئنة، بينما هناك نفوس أمّارة مضمحلّة. ولله در ابن القيّم حيث قال: سبحان الله! في النفس كِبر إبليس, وحسد قابيل, وعتو عاد, وطغيان ثمود, وجَراءة نمرود, واستطالة فرعون, وبغي قارون, وقحة هامان, وهوى بلعام, وحيل أصحاب السبت, وتمرّد الوليد, وجهل أبي جهل, وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب, وشَرَه الكلب, ورعونة الطاؤوس, ودناءة الجُعل, وعقوق الضب, وحقد الجمل, ووثوب الفهد, وصولَة الأسد, وفسق الفأرة, وخبث الحية, وعبث القرد, وجمع النملة, ومكر الثعلب, وخفة الفراش, ونوم الضبع .. غير أنّ الرياضة والمجاهدة تُذهِب ذلك, فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعته لعقد؛ لأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم.
ومن الأمور التي تتفاوت فيها النفوس وتتباين وتختلف اختلافاً كبيراً: الغيرة, فمن الناس من يغار لله ولرسوله ولمحارمه وعرضه, ومنهم من يغار لنفسه وشهوته.
والغيرة هي ثوران النفس لخير كان أم شر بسبب الحميّة والأنفة, أو التنافس والحسد.
والغيرة نوعان:
1- نوع يحبه الله ورسوله, وهي الغيرة المحمودة.
2- ونوع يكرهه الله ورسوله, وهي الغيرة المذمومة.
ولكل من هذين النوعين صور عدة وأشكال شتى, ومواقف مختلفة.
أولاً: الغيرة المحمودة:
أ- أفضل أنواع الغيرة وأحسنها الغيرة على محارم الله : حيث يغضب المرء ويثور إذا انتُهِكت المحارم واقتُرِفت الآثام وتُعدِّيت الحدود. وأشد الناس غيرة بعد الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عندما تعجّب أصحابه من غيرة سعد بن عبادة: (أتعجبون من غيرة سعد, فأنا أغير منه والله أغير مني, ومن غيرته أن حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن). فالرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام الغيورين, حيث كان لا يغضب إلاّ إذا انتُهِكت حرمات الله عز وجل, وكان لا يداهن ولا يجامل في ذلك أبداً, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله, أما تغار؟ قال: (والله إني لأغار, والله أغير مني, ومن غيرته نهى عن الفواحش)، وقالت عائشة: (ما خُيّر رسول الله بين أمرين قطّ إلاّ وأخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً. فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه, وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى). ولهذا غضب غضباً شديداً على حُبّه أسامة بن زيد عندما جاء ليشفع في تلك المرأة المخزومية وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) [متفق عليه], والغيرة على محارم الله هى سمة عباد الله الصالحين وجنده المفلحين.
ب- الغيرة والتنافس في أعمال الخير والبر: قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، وقال صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)، ومن ذلك تنافس الفقراء عندما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العُلا, والنعيم المقيم...الحديث. ومن ذلك أيضاً تنافس الصحابة على الجهاد والإنفاق، ومحاولة مسابقة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما.
ج- الغيرة على الأعراض والحريم: من الغيرة المحمودة التي يحبها الله ورسوله والمؤمنون: الغيرة على الحريم والأعراض, قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته, فالرجل راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيته), ولله در القحطاني حيث قال في نونيته:
إن الرجـال الناظرين إلى النساء مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحومَ أسودُها أُكِلَت بـلا عِوَض ولا أثمـان
كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس غيرة على محارمهم وأكثرهم حفظاً لأعراضهم، يمثل ذلك أصدق تمثيل ما قاله سعد بن عبادة عندما نزل قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)، قال سعد: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الأنصار أتسمعون ما يقول سيدكم؟)، قالوا: يا رسول الله لا تلمه, فإنه رجل غيور, والله ما تزوج امرأة قطّ إلاّ بكراً ولا طلّق امرأة قطّ فاجترأ أحد منّا أن يتزوجها من شدة غيرته. قال سعد: يا رسول الله إني لأعلم أنها حقّ, وأنها من الله ولكني قد تعجّبت أن لو وجدت لكاعاً, قد تفخّذها رجل, لم يكن لي أن أهيجه, ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء, فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، وفي رواية: فقال يا رسول الله إن وجدت على بطن امرأتي رجلاً أضربه بسيفي. أو كما قال.
وكان عمر والزبير رضي الله عنهما غاية في الغيرة على الأعراض والحريم, وقد كانا يغاران من خروج نسائهم إلى المسجد دعك عن الخروج إلى الأسواق والشوارع والمتنزهات.
ثانياً: الغيرة المذمومة:
الغيرة المذمومة سببها التنافس والحسد على أعراض شخصية وأمور دنيوية, وهي أنواع منها:
أ- الغيرة والتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة، كالتجار والحدادين والنجارين ونحوهم. فما مِن أصحاب مهنة واحدة إلاّ وتجد بينهم تنافساً وحسداً إلا من رحم الله.
ب- الغيرة والتنافس من أصحاب النعم, ولذا قالوا: (كلّ ذي نعمة محسود).
ج- الغيرة بين الأنداد, فالمعاصرة سبب للمنافرة, وأسوأ هذا النوع الغيرة بين العلماء, ونعني بذلك علماء السوء, أما العلماء الربّانيون فلا يتنافسون ولا يتحاسدون لأنهم يعلمون أن أجرهم ونوالهم من الله ذى النوال العظيم والخير العميم.
د- الغيرة بين الضرائر خاصة والنساء عامة والأطفال, ومردّ ذلك إلى الأَثَرة وحب الذات والحرص والطمع, والغيرة بين الضرائر غريزة طبيعية وسجيّة نفسية, ولو عُفِيت منها ضرّة لعُفِيت منها أمهات المؤمنين وزوجات رسول رب العالمين, فقد كانت عائشة تغار من خديجة وهي لم تراها, وسبب الغيرة بين الضرائر هو حب الزوج.
هـ- الغيرة بين الأبناء.
و- والمبالغة في الغيرة على الحريم والأعراض حيث تصل إلى درجة الوهم.
علاج الغيرة المذمومة:
مما لاشك فيه أنّ لكل داءٍ دواءٌ، إلاّ أدواء معلومة وأمراض مفهومة, منها الموت والهرم والحماقة والحسد, فالغيرة المذمومة لها أسباب كثيرة ومختلفة منها ما يمكن تجنبه والحذر منه, كل هذا بعد دعاء الله وتوفيقه, ومنها ما لا سبيل لعلاجه.
من تلك الأسباب التي تولّد الغيرة المذمومة والتنافس القبيح، والتي يمكن تداركها خاصة بين الضرائر والأبناء, وبين الزوجات من ناحية أخرى ما يلي:
أولاً: العدل والإنصاف، وعدم المحاباة في القسمة والإنفاق بين الزوجات والأبناء, فقد كان صلى الله عليه وسلم يعدل ويقسم ويتحرى الإنصاف ومع ذلك يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، ويعني بذلك الحبّ وما ينتج عنه، فهو أمر قلبي لا يستطيع المرء التحكم فيه. فكان يعدل بين أزواجه في المبيت والنفقة والسفر, حيث كان يقرع بينهن. والمراد بالعدل بين الزوجات والأولاد في النفقة أن يعطي كلاً منهم ما يحتاجه, وليس المراد التسوية في كل شيء, فما تحتاجه الزوجة الشابّة من الملابس والزينة لا تحتاجه الكبيرة, وما يكفي الزوجة ذات الأولاد يختلف مما يكفي امرأة لها ولد واحد أو لم تلد بعد.
ثانياً: العدل في المعاشرة والمعاملة والتبسّم والضحك وبشاشة الوجه بين الزوجات والأولاد, فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا وضع الحسن في فخذه اليمنى وضع الحسين على فخذه اليسرى, وكانا يركبان على ظهره الشريف في وقت واحد.
ثالثاً: في المنحة والهبة, فلا يحلّ له أن يهب لإحدى زوجاته دون الأخريات، ولا لأحد أبنائه دون الآخرين, فقد جاء بشير بن سعد ليُشهِد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما منح ابنه النعمان. قال له: (أكل بنيك منحت هكذا؟) قال: لا. فقال له: (لا تشهدني على جور, أشهد على ذلك غيري). إلاّ إذا كان هناك ما يوجب ذلك من مرض وعاهة وكثيرة عيال ونحو ذلك, فقد منح ابن عمر أحد أبنائه دون غيره لكثرة عياله والله أعلم.
واعلم أنّ الحيف والظلم والمحاباة لها آثار خطيرة ونتائج وخيمة في الدنيا قبل الآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد: (ألا تحب أن يكونوا لك في البر سواء؟).
أما بالنسبة للحيلولة بين الغيرة والتنافس بين أهل الزوج وزوجته وأبنائه فالأمر يحتاج إلى حكمة وحنكة وحسن تصرف من الزوج, حيث يعطي كل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط, وألاّ يسمح لزوجته بالتدخّل فيما يخصّ أهله, وألا يجعل أهله رُقبَاء على زوجته مع وجوده, وعليه ألاّ يتأثّر بما يقول أحد الطرفين في الأخر.
واحذر أخي الحبيب أن تكون ممن يَبَرّ زوجته ويَعُقّ أمه, ويُدنى صديقه ويُبَاعِد أباه وأخاه.
واللهَ أسألُ أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ويكّره إلينا الكفر والفسوق والعصيان, وصلى الله وسلم على خاتم الرسل والنبيين, والسلام.
واسف جدا علي الايطاله
|