قرأت مقالة قصصية لـ د. زكي نجيب محمود .. بعنوان " قصاصات الزجاج "
ذكر فيها أن صبيّ لفنان طبقت شهرته الخافقين في الفن الجميل ( كما وصفه ) صنع نافذة من قصاصات الزجاج الملون الذي كان ينثره أستاذه الفنان يمينا ويسارا عندما كان يصنع نوافذ لاحدى الكنائس
فعندما فرغ الصبي من نافذته أطلع عليها أستاذه :
_ ماهذا الذي أرى ؟
_ نافذة صنعتها
_ وأنى لك الزجاج ؟
_ قصاصات جمعتها
ورأى الأستاذ في نافذة الغلام فناً لا يقاس إليه فنه ، وكبر عليه الأمر فانتحر .
ثم تبع هذه القصة بقصص تشببها وسأنقل احداها ولكن باختصار كما فعلت مع القصة التي قبلها ..
يقول : كان لي صديق لم يكد يخلو فيها إلى حياته أسبوعا واحدا ، وأوشك ألا يمضى يوم خلالها دون قراءة وكتابة يثقف بها نفسه ومن حوله من الناس ، وكان إنتاجه بمثابة النافذة التي صنعها من قصاصات ، هي سويعات الفراغ التي أبقتها له الدولة بعد أن استأجرت معظم وقته لقاء بضعة قروش رآها أولو الأمر ثمناً عادلاً له في سوق البيع والشراء ، وكأنما هاض صديقي هذا الجهد الثقيل فأقعده بينما كانت القافلة في مسير . وذات صباح مشمس حمل صاحبنا نافذته وقصد بها إلى أحد السادة رعاة الفن الجميل وهو كالليث في مربضه :
_ ماهذا الذي جئتني به ؟
_ نافذة صنعتها
_ وأنى لك الزجاج ؟
_ قصاصات جمعتها
وضحك السيد الذي كان من رعاة الفن الجميل وقال : يؤسفني يابني أن أقول إننا في هذه الدار قد تواضعنا على ألا ننعت بالفن نافذة قوامها القصاصات ، فهأنت ذا ترى النافذات التي وجدت طريقها إلى جدراننا ألواحاً كاملة . وحمل المسكين نافذته وعاد إلى مأواه .
وكادت تشيع ذكرى صديقي اليأس في نفسي ، لولا أن حانت مني التفاتة إلى صورة معلقة على جدار غرفتي ، صورة " الأمل " : كوكب مظلم خلا من آهليه إلا فتاة شد على عينيها برباط فلا ترى ، وعلى إحدى أذنيها فلا تسمع إلا ضئيلاً ، وفي يدها فيثارة تقطعت أوتارها إلا وتراً ، ومع ذلك كله أحنت الفتاة رأسها في ذلك العالم الموحش المظلم الصامت ، لعلها تسمع نغماً واحداً من ذلك الوتر الواحد !
إن حدث لك ياصديقي أن تقرأ هذه السطور ، فنصحي إلك ألا توئسك أحكام السادة الذين هم في أرض الوطن العزيز رعاة الفن الجميل ؛ إنهم لن يزهقوا أرواحهم يأساً حين يرون أنفسهم صغار الفكر بالقاس إلى فكرك ، ضئال الهمة بالقياس إلى همتك ، كما فعل أستاذ الفن مع صبه الموهوب ، بل هم سيسحقونك أنت سحقاً و هم سينحرونك أنت نحراً ، ليبدو قليلهم كثيراً وضحلهم غزيراً .
.
.
أعلم أن القصة طويلة نوعا ما .. ولكن لم أستطيع منع نفسي من نقلها أليكم .. حيث أنها رائعة جدا
كنت أتمنى نقل المقالة كاملة .. ولكن بما إن نقلي لها كان من كتابي وليس نسخا من أحد المواقع ففضلت كتابة الأهم والمتعلق بالموضوع فقط
تحياتيي لك سيّدي