الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فهذا مبحث لطيف في بيان عدالة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ:
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر (ت:852هـ): [وَأَصَحّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِك أَنَّ الصَّحَابِيّ: مَنْ لَقيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنَاً بِهِ، وَمَاتَ عَلَى الإسْلامِ.
فَيَدْخُل فِيمَنْ لَقِيَهُ: مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ أَوْ قَصُرَتْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَرْو، وَمَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَغْز، ومَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَوْ لَمْ يُجَالِسهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالْعَمَى]([1]).
تَعْرِيفُ الْعَدْلِ:
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر: [والْمُرَادُ بِالْعَدْلِ: مَنْ لَهُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُهُ عَلَى مُلازَمَةِ التَّقوى والْمُرُوءةِ.
والْمُرَادُ بِالتَّقوى: اجْتِنَابُ الأعمالِ السّيئة مِنْ شِركٍ أَوْ فِسقٍ أوْ بِدعةٍ]([2]).
الإجْمَاعُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ:
قَالَ الإمَامُ ابنُ عبد البَر (ت:463هـ): [وَنَحْنُ وَإنْ كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - قَدْ كُفِينَا الْبَحْث عَنْ أَحْوَالِهِم؛ لإجْمَاعِ أهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - وَهُم أهْلُ السُّنَّةِ والْجَمَاعَة - عَلَى أنَّهُم كُلّهم عُدُول ...]([3]).
وَقَالَ الإمامُ ابْنُ الصَّلاح([4]) (ت:643هـ): [إنَّ الأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِِ، وَمَنْ لابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُم فكذلك بِإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الّذينَ يُعْتَدُّ بِهِم فِي الإجْمَاعِ، إحْسَانَاً للظَّنِّ بِهِم، وَنَظَرَاً إِلَى مَا تَمَهَّدَ لَهُم مِنَ الْمآثِرِ، وَكَأنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَتَاحَ الإجْماعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَونِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيعَةِ، واللهُ أَعْلَمُ]([5]).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر: [اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أنَّ الْجَمِيعَ عُدُولٌ، وَلَمْ يُخَالِف فِي ذَلِك إلا شُذُوذٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ]([6]).
فائدة:
قالَ الإمامُ الأَبْيَارِيُّ([7]) (ت:616هـ): [وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَالَتِهِمْ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ لهم وَاسْتِحَالَةُ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَبُولُ رِوَايَاتِهِمْ من غَيْرِ تَكَلُّفِ بَحْثٍ عن أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ وَطَلَبِ التَّزْكِيَةِ، إلا من يَثْبُتُ عليه ارْتِكَابُ قَادِحٍ، ولم يَثْبُتْ ذلك وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَنَحْنُ على اسْتِصْحَابِ ما كَانُوا عليه في زَمَنِ رسول اللَّهِ حتى يَثْبُتَ خِلافُهُ، وَلا الْتِفَاتَ إلَى ما يَذْكُرُهُ أَهْلُ السِّيَرِ؛ فإنه لا يَصِحُّ. وما صَحَّ فَلَهُ تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ]([8]).