28-05-2003, 04:14 PM
|
#1
|
عضـو مُـبـدع
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 3027
|
تاريخ التسجيل : 11 2002
|
أخر زيارة : 08-04-2005 (11:37 PM)
|
المشاركات :
416 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
الهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الهم بئس الصاحب.. فهو مقلق.. مؤلم.. مؤرق.. ويحجب ـ بسواد كثيف ـ قمر السعادة عن عيوننا.. ويمنع راحة البال من ان تستقر في قلوبنا.. حين تعتلج الهموم في صدورنا يضيق بما به الصدر الرحيب.. وتظلم الدنيا في عيوننا.. وتختلط الدروب.. وتخرج أشباح الهواجس.. وتزورنا الأوهام والوساوس.. وإذا كبرت الهموم وكثر اعتلاجها في الصدور ضاقت بنا الأرض بما رحبت.. ولم نعد ـ والعياذ بالله ـ نتوقع إلا ما يسوء.. ولا ننتظر إلا ما يضر.. وكأن الواحد منا قد (تأبط شرورا ) وليس (تأبط شرا ) واحدا! .. الهم المقلق إذا اعتلج في الصدر له عين عوراء لا ترى إلا الشر الماحق والضرر المتوقع!.. له نظرة أحادية تركز على السلبيات وتهبط إلى الأسفل وتتوقع أسوأ الأمور..
والهم إذا طال مرض.. ويجلب معه المزيد من الأمراض:
والهم ـ يخترمـ الجسيم نحافة
ويشيبـ ناصية الصبي ويـهرمـ
ولا يوجد قلب يخلو من هم!.. (كل عليه من زمانه واكف) الكبير.. والصغير.. الغني.. والفقير.. ما عليها مستريح, الله يعين كل حي على بلواه!!:
لكل امرئ هم يسيرـ وراءهـ
ويتبعهـ في عمره كخياله
فهذا فقير همهـ سد جوعه
وهذا غني همه حفظ ماله
وكلما كبرت المسؤوليات وزاد الجاه زادت الهموم وكبرت.. وتراكمت.. وكلما بعدت الهمة انتفخ الهم وصار في حجم الفيل وكأن (الهمة) تغذي (الهم) وتفتح شهيته على الآخر, وتشتري له أفخر الفيتامينات والمقويات, وتعزمه في أرقى المطاعم, على حسابنا ! وتطلب له أدسم وألذ الأطباق:
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب
فكل ـ بعيد الهم فيها معذبـ
ويبدو ان الهم والهمة أخ وأخته.. هو يشد لها وهي تقطع له.. إذا دخلت (الهمة) رأسا فتحت لأخيها الباب.. ما تمشي إلا معه!.. محافظة جدا (الهمة) هذه!.. لا بد لها من محرم.. ومحرمها الوحيد أخوها الكريه, وهو ثور متعافي.. هائج.. مائج.. يطلق قرنيه في صدر الإنسان.. وفي قلبه.. وفي وجهه.. وقد يطعن عينيه..
قري ب من كل شر!.. قادر على إحداث كل مرض!.. يغزو كل عضو.. ويطعن في كل مكان!.. يصيب الرأس حتى يتفقش من الصداع!.. ويحشر الصدر حتى يصير في ضيق س م الخياط.. ويتقلب في المعدة حتى تتقلص بالشكوى والألم.. ويسقط في المصران حتى تتشنج وتضج.. وقد تصبح كالخشب!.. ويصل حتى القدمين ـ إذا عم وطم ـ فيشلهما ويـبدلهما بكرسي متحرك!
حتى الأمور التي لا تضر ولا تضير, إذا صورها الهم كب ر منها الصغير, وأفزع باليسير, وجعل للقلب خفقان, كأنه يريد الطيران!
رب أمور لا تضيرك ضرة
وللقلب من مخ شاتهن وجيب!
< < <
وقد احتار الأقدمون في تصوير قوة الهم وأثره على الإنسان, فقدموا لنا سلسلة رمزية من التصورات تثبت ان الهم ـ في آخر المطاف ـ أقوى الأمور:
"الحديد يقطع الصخر..
والنار تذيب الحديد..
والماء يطفئ النار..
والرياح تطرد السحاب الذي يجلب الماء..
وابن آدم يغلب الرياح بحيلته..
والنوم يغلب ابن آدم..
والهم يغلب النوم ويطرده..
فالهم أقوى الجميع.."
لا حول ولا قوة إلا بالله!
وما من يد إلا يد الله فوقها
وما من ظالم إلا سيـبلى بأظلم!
ملك الموت.. يموت!!
< < <
وأكثر الناس هموما من كبرت همته وصغرت قدرته.. في وضع لا يحسد عليه!.. يريد أن يطير وهو بالكاد يزحف.. وما خلقه الله ليزحف لا يمكن أن يطير.. ويريد أن يقفز بقوة.. وهو مشلول!.. ويريد أن يلمس الأعالي وهو قزم صغير!.. ويريد أن يحمل الأثقال وهو في غاية الضعف والهزال.. هذا أشقى الناس.. وأكثرهم هموما .. وأكبرهم سخطا وقلقا وبعدا عن السكينة والرضا..! وعن العقل أيضا !
أما أقل الناس هموما فهو من كان عكس الأخ المذكور.. من كانت همته صغيرة.. وإمكاناته كبيرة.. قد يقال ان صغر الهمة نقص.. هذا صح.. ولكننا لا نتكلم الآن عن النقص والكمال.. نتكلم عن الهموم.. فإذا كان صاحبنا ذو الهمة الصغيرة.. والإمكانات الكبيرة.. غبيا أيضا .. فهذا هو الإنسان المرتاح!
المرتاح تماما .. لا يدري هي تمطر أو تصحي.. لا يهمه شيء.. ولا يؤرقه أمر.. (ثور في برسيم) (جنة حمار: ثغب وثيل! .
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
قال أعرابي: كيف حال فلان؟
فقالوا: مرزوق وأحمق! فقال:
هذا والله الرجل الكامل!!!
ويقول الشاعر:
تصفو الحياة لجاهل أو غافل
عم ا مضى منها وما يتوقعـ
ويقول النجفي:
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوم ـ!
والمثل يقول: "الشقاء في العقل والسعادة في الجهل"!
ورغم شيوع هذا الاعتقاد لدى كثير من الأدباء والشعراء إلا أنني أعتقد أنه غير صحيح, وغير سليم, فللجهال هموم كالجبال, وكفى بالجهل نفسه هما, ولعلم مع شقاء خير من سعادة بجهل, ومع هذا فإن العلم.. والعقل.. والمعرفة.. هي ـ بعد الإيمان بالله عز وجل ـ السبيل السليم.. القويم.. لطرد الهموم.. ودحرها.. والتغلب عليها.. بل وتحويلها إلى طاقة تدفع للعمل والتقدم.. وتعزز الثقة في النفس.. لا أحد يرحب بمقدم الهموم.. لا أحد يريدها تعتلج في صدره كاللصوص إذ يختصمون.. ولكن العاقل يعلم ان الحياة يوم له.. ويوم عليه.. وان الهم مشتق من الهمة.. ويدفع إلى العمل.. والعاقل لا يجعل همته تذهب إلى بعيد وتكبر بشدة فتؤذيه بثور الهم الهائج المخيف.. ولا يجعلها تصغر فيدب فيه الخمول والخمود ويغزوه الكسل والعجز ويجد طريقه السريع.. والمنحدر.. نحو الفشل.. همة جيدة.. ولكنها أقل من الإمكانات.. وليصحبها هم يدفع إلى الإنجاز.. ولكنه أقل من ان يملأ الدرب أو يحشر القلب أو يجعل الخطى تعثر أو يكدر النوم.. الوسط.. خير الأمور الوسط.. لا يبرد الإنسان حتى يموت ويميت من حوله.. ولا يحتر حتى يحترق ويشعل الحرائق فيمن حوله.. يسير باعتدال.. وتمييز.. واتزان.. ويعلم ان الهموم لا بد ان تقبل بجيوشها.. ولكنه يعلم أيضا أنها لا بد أن تندحر.. وتنسحب.. وفي انسحابها لذة كبرى تـنسي هم قدومها.. يعرف ان السعادة هي إنجلاء الغمرات.. وان المشاكل جزء من توابل الحياة.. وان دوام الحال ـ على هذا أو ذاك ـ من المحال.. وان حياته لو خلت من الهموم تماما لكان معنى ذلك خلوها من الكفاح ومن طلب التقدم, ومن لا يتقدم يتأخر.. ويتقهقر.. ولو كان خالي القلب من الهم.. وهو سيدفع فاتورة الهم دفعة واحدة.. وبالفوائد الباهظة.. حين يتقدم الذين اهتموا.. وعملوا.. وكافحوا.. وظل هو يغط في نوم عميق.. حتى أفاق على سوء المصير!
إذا جاء الهم فلا تشح بوجهك عنه.. افتح له الباب.. وعالجه وعاجله بالعمل الجاد!
يقول الحكماء: كل رأس لم يعرف الهم فهو.. ذ ن ب!!
من بريدي ..
|
|
|