عرض مشاركة واحدة
قديم 29-05-2003, 02:34 PM   #2
البتــار!!!!
شيخ نفساني


الصورة الرمزية البتــار!!!!
البتــار!!!! غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1771
 تاريخ التسجيل :  06 2002
 أخر زيارة : 15-05-2016 (07:36 AM)
 المشاركات : 5,426 [ + ]
 التقييم :  63
لوني المفضل : Cadetblue


فوائد الألم /
إن الحديث عن فوائد الألم متشعب وذلك أن فوائد الألم متنوعة بعضها مادي وبعضها نفسي معنوي وبعضها يتحقق للفرد وبعضها يتحقق للجماعة أو الأمة. وأبرز هذه الفوائد /
1ـ الألم ذو فائدة بيولوجية فهو بالرغم من أنه إحساس غير مرغوب فيه يشبه ناقوس الخطر ويؤدي إلى أعمال عصبية انعكاسية تهدف إلى حماية الجسم من المؤثر الخارجي أو الداخلي الذي قد يتلف الأنسجة فضلاً عن أن الألم يجبر الإنسان على الراحة وعلى استشارة الطبيب مما لا يترك الفرصة للمرض حتى يستفحل وحينئذ يصعب علاجه. فبذا يكون الألم وقاية للإنسان من آلام أكبر. هذا بالنسبة للألم المادي. وكذلك الحال بالنسبة للألم النفسي فإن الألم النفسي الناشئ عن خوف العبد من عذاب الله يقيه من وقوع العذاب الأليم به في الدنيا أو الآخرة ومن ثم فإننا نرى أن العذاب وُصِف بكلمة { أليم } في القرآن الكريم في اثنين وسبعين موضعاً.
2ـ الألم ذو فائدة دينية عظيمة فهو ابتلاء والابتلاء مع الصبر نعمة تستوجب الشكر فيطهِّر الله به الإنسان من الآثام والذنوب بل إن الله إذا أحب عبداً واصطفاه ابتلاه وأشد الناس بلاءً هم الأنبياء فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت ( يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء؟ قال " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيُبتلى الرجلُ على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤُه وإن كان في دِينه رِقَّةٌ ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركهُ يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ". فالألم يصهر مَعْدِن الإنسان المسلم فتصفو رُوحه ويزكو خلقه وتَطْهُر نفسه فألم الابتلاء سبيل إلى لذة التقوى ونعيم القرب من الله وهل يبرق الذهبُ إلا إذا ذاق آلام النار؟!
3ـ الآلام قد تصحح مسار المسلم وتفيقه من غفوته فيرجع عن سالف عهده من الذنوب والمخالفات فمن رحمة الله أنه جعل الآلام نذيراً لخطر داهم وعقوبة شديدة. فإذا أفاق العبد وتضرع إلى الله رفع عنه الضر. قال سبحانه {ّمّا أّرًسّلًنّا فٌي قّرًيّةُ مٌَن نَّبٌيَُ إلاَّ أّخّذًنّا أّهًلّهّا بٌالًبّأًسّاءٌ ّالضَّرَّاءٌ لّعّلَّهٍمً يّضَّرَّعٍونّ} . فإذا لم يفقه المسلم حكمة الله في هذا الابتلاء وتمادى في غيه حقت عليه كلمة العذاب. قال عز من قائل { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [] فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [] فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [] فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
4ـ الألم قرين الإحساس والإحساس آية الحياة ولا يمكن أن تُتصور حياة خالية من الإحساس فأنا أتألم إذاً أنا موجود. فمن أراد أن يعيش بلا ألم ومعانــاة فقـــد اختار لنفســه الموت لا الحياة فأنا موجود إذاً لا بد أن أتألم وقد خلق الإنسان في كبد ونصب كما قال سبحانه مقسماً { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [] وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [] وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }.
5ـ الآلام تربي فينا نعمة الإحساس بالآخرين فنقدم لهم يد العون والمساعدة فيتحقق بذلك التكافل الاجتماعي فالغني يتألم للفقير فتكون الصدقة والزكاة والمقتدر يتألم للمعوزين فتكون المشروعات الخيرية والقوي يتألم للضعيف فيكون العون والمساعدة والعالم أو المخترع يتألم لمأساة مجتمعه ومعاناته فتكون الاختراعات والاكتشافات العلمية وهكذا.
6ـ الآلام تقوي العزيمة والإرادة وتثبت دعائم الرجولة الحقة فيكتسب المسلم حصانة من آلام الحياة ويستمد من مقاومتها قوة وصلابة يستطيع بها مواجهة صعوبات الحياة وظروفها القاسية فألم الإخفاق يبصر صاحبه بطريق النجاح وألم القهر والتسلط يدفع صاحبه إلى البحث عن طريق الحرية وألم الندم على المعصية يقود إلى لذة الطاعة وألم الفقر يخطو بصاحبه صوب الغنى والثراء. ولا غرو إذا علمنا أن الأعمال الشاقة تزيد المرء قوة وقدرة على تحمل الأعباء ولنا في أنبياء الله أسوة فإدريس عليه السلام كان خياطاً ونوح كان نجاراً وداود كان حداداً وموسى كان راعياً للغنم وكان محمد صلى الله عليه وسلم راعياً للغنم كذلك مع ما في الرعي من تعلم الصبر وتعوُّد حسن سياسة الرعية. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبــو هـريرة رضي الله عنه " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم " فقال أصحابه ( وأنت؟ ) فقال " نعم! كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ".
7ـ تسهم الآلام في صنع مستقبل الشعوب وقيام حضاراتها فكثير من الأمم عانت آلام التخلف والفوضى ردحاً من الزمان فما كان منها إلا أن تحسست خطاها نحو العلم والحضارة مثل أوروبا كانت تعيش في ظلام دامس في العصور الوسطى ثم ما لبثت أن قامت الثورة الصناعية ثم الحضارة الغربية التي يزهو العالم بها اليوم وكثير من الدول عانت آلام الذل والاستعمار فكان ذلك سبباً في سعيها لاسترداد حريتها ونيل استقلالها مثل جنوب أفريقيا في ظل الحكومة العنصرية فهي حرية حمراء مقرونة بدماء الشعوب كما قال شوقي:
وللحريـــة الحمــراء بـــابٌ * بكلِّ يــدٍ مُضَرَّجــةٍ يُـدَقُّ

وعندما تعاني الشعوب ويلات الحـروب وآلامهــا تسعى جاهدة إلى السلام والوئام فإذا كان الإيلام لطرفي النزاع معاً كان السلام رغبة مشتركة بينهما أما إذا كان السلام مـن طرف واحـد وهـو الذي يحـس بالإيلام الحقيقـي فهو استسلام وإذعـان.
متى يكون الألم نعمة؟ /
الألم يمكن أن يكون نعمة لصاحبه كما يمكن أن يكون نقمة عليه شأنه في هذا شأن كثير من الأحاسيس والمشاعر فمتى يكون الألم نعمة؟ يمكن للألم أن يكون نعمة إذا توافرت فيمن ابتلي به بعض الشروط الضرورية وهي /
1ـ الإيمان بالقضاء والقدر وبأن هذه الآلام من قضاء الله وقدره. قال تعالى { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم } . وقال سبحانه { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } .
2ـ التحلي بالصبر فإن ذلك من عزم الأمور. قال سبحانه على لسان لقمان واعظاً ولده { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . والصبر على آلام البلاء عاقبته خير فها هو موسى يوصي قومه بالصبر على أذى فرعون وآله ليورثهم الله الأرض من بعدهم. قال سبحانه { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }. وأيوب عليه السلام لما صبر على الآلام والمـــرض والابتـــلاء جعـل الله عـاقبته خــيراً. قال سبحانه { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [] ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [] وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ } . وقـــد مدحــه سبحانه بقوله { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }.
3ـ قوة الإرادة حتى يمكن تحمل الآلام فلو استسلم لآلامه لدب اليأسُ في قلبه وتحول الألم إلى نقمة عليه فنراه يقنط من رحمة الله وتُثبَّط همته. ولذا على المسلم دائماً العناية بتربية إرادته وتقويتها وتدريب نفسه على تحمل آلام الحياة وصعابها ثم عليه أن يتخطى هذه الآلام ويتناساها ليتجه إلى العمل النافع والإنتاج المثمر.
4ـ الأخذ بالأسباب في معالجة الألم والتخلص من أسبابه إذا استطاع وذلك للحيلولة دون استفحال الألم فإهمال الألم سيؤدي حتماً إلى اشتداده واستفحاله وحينئذ قد لا يجدي معه علاج ولا تنفع معه أية مقاومة فتخور قوى المسلم ويتحول إلى طاقة معطلة فيعجز عن مواصلة الكفاح وأداء رسالته في الأرض.
5ـ حسن التقدير وُبعد النظر فينبغي على المسلم أن يحسن تقدير آلامه وتشخيصها وكذا تقدير الوسيلة والوقت اللازمين لعلاج الألم ومقاومتــه والإنســـان مــن طبعــه التعـجــل. قال سبحانه {خٍلٌقّ الإنسّانٍ مٌنً عّجّلُ} . ثم عليه أن يتحلى ببعد النظر فالشفاء من الآلام بقدر معلوم وقد جعل الله لكل شيء قدراً فعلى المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح. فإذا ما توافرت هذه الشروط فعندئذ يكون الألم نعمة ويثاب عليه المسلم ويصبح الألم باعثاً للهمم ومحركاً للطاقات البناءة ومثيراً للعقول المفكرة المبدعة ويصير أداة بناء في المجتمع الإسلامي لا معول هدم وسيوصف حينئذ بأنه نعمة الحياة وسر من أسرار النجاح فيها.



منقوووووووووول


البتار


 

رد مع اقتباس