عرض مشاركة واحدة
قديم 20-09-2011, 01:33 AM   #3
المشتاق الى الجنة
عضو مجلس اداره سابق


الصورة الرمزية المشتاق الى الجنة
المشتاق الى الجنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32324
 تاريخ التسجيل :  11 2010
 أخر زيارة : 05-11-2012 (04:00 PM)
 المشاركات : 100 [ + ]
 التقييم :  192
لوني المفضل : Cadetblue


وللحسد ثلاث مراتب:

أحدها: هذه.


الثانية: تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله، أو فقره أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله ؟ أو قلة دينه، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب. فهذا حسد على شيء مقدر، والأول حسد على شيء محقق، وكلاهما حاسد عدو نعمة الله وعدو عباده، وممقوت عند الله تعالى وعند الناس، ولا يسود أبداً ولا يواسى، فإن الناس لا يسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم، فأما عدو نعمة الله فلا يسودونه باختيارهم أبداً إلا قهراً يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم الله بها، فهم يبغضونه وهو يبغضهم.


والحسد الثالث: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثال حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لابأس به، ولا يعاب صاحبه بل هذا قريب من المنافسة، وقد قال تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} (سورة المطففين الآية 26) وفي (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» فهذا حسد غبظة، الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه وحب خصال الخير، والتشبه بأهلها والدخول في جملتهم، وأن يكون من سباقهم وعليتهم ومصلهم لامن فساكلهم فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسابقة والمسارعة مع محبته لمن يغبطه، وتمني دوام نعمة الله عليه. فهذا لا يدخل في الآية بوجه ما. فهذه السورة من أكبر أدوية المحسود فإنها تتضمن التوكل على الله والالتجاء إليه والاستعاذة به من شر حاسد النعمة، فهو مستعيذ بولي النعم وموليها، كأنه يقول: يامن أولاني نعمته وأسداها إلي أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني ويزيلها عني، وهو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمن خوف الخائف، ويجير المستجير، وهو نعم المولى ونعم النصير. فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه أمنه مما يخاف ويحذر وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (سورة الطلاق الآيتان 2ـ3) فلا تستبطىء نصره ورزقه وعافيته، فإن الله بالغ أمره، وقد جعل الله لكل شيء قدراً لا يتقدم عنه ولا يتأخر .

بدائع الفوائد


فصل اندفاع شر الحاسد عن المحسود:



ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:


ـ أحدها التعوذ بالله من شره والتحصن به واللجأ إليه، وهو المقصود بهذه السورة، والله تعالى سميع لاستعاذته عليم بما يستعيذ منه، والسمع هنا المراد به سمع الإجابة لا السمع العام، فهو مثل قوله: «سمع الله لمن حمده» وقول الخليل صلى الله عليه وسلّم : {إن ربي لسميع الدعاء} (سورة ابراهيم الآية 39) ، ومرة يقرنه بالعلم ومرة بالبصر، لاقتضاء حال المستعيذ ذلك، فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه، ويعلم كيده وشره، فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب عليم بكيد عدوه يراه ويبصره، لينبسط أمل المستعيذ ويقبل بقلبه على الدعاء.


وتأمل حكمة القرآن كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ {السميع العليم} في الأعراف وحم السجدة، وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون ويرون بالأبصار بلفظ {السميع البصير} في سورة حم المؤمن، فقال: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} (سورة غافر الآية 56) لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر. وأما نزع الشيطان فوساوس وخطرات يلقيها في القلب يتعلق بها العلم، فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر ويدرك بالرؤية، والله أعلم.


ـ السبب الثاني تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره، قال تعالى:{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} (سورة آل عمران الآية 120) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه
ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف ولمن يحذر؟


ـ السبب الثالث: الصبر على عدوه وأن لا يقابله ولا يشكوه، ولايحدث نفسه بأذاه أصلاً، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله ، ولا يستطيل تأخيره وبغيه فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جنداً وقوة للمبغى عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر. فبغيه سهام يرميها من نفسه إلى نفسه، ولو رأى المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره ومآله، وقد قال تعالى: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله} (سورة الحج الآية 60) فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولاً، فكيف بمن لم يستوف شيئاً من حقه، بل بغي عليه وهو صابر ؟ وما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم، وقد سبقت سنة الله أنه لو بغى جبل على جبل جعل الباغي منهما دكاً.


السبب الرابع: التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه، أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو، ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبداً. وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له، وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.



قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (سورة الطلاق الآية 3) ولم يقل: نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره...


السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد محوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولايخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره، فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه، فإذا لم يتعرض له ولا تماسك هو وإياه، بل انعزل عنه لم يقدر عليه، فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر، وهكذا الأرواح سواء فإذا علق روحه وشبثها به، وروح الحاسد الباغي متعلقة به يقظة ومناماً لا يفتر عنه، وهو يتمنى أن يتماسك الروحان ويتشبثا، فإذا تعلقت كل روح منهما بالأخرى عدم القرار ودام الشر حتى يهلك أحدهما، فإذا جبذ روحه عنه وصانها عن الفكر فيه والتعلق به، وأن لا يخطره بباله، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به، بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضاً، فإن الحسد كالنار فإذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضاً. وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النفوس الشريفة والهمم العلية...


السبب السادس: وهو الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئاً فشيئاً حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة لمحبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه فلا يستطيع قلبه انصرافاً عن ذكره، ولا روحه انصرافاً عن محبته، فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسه أن يجعل بيت إنكاره وقلبه معموراً بالفكر في حاسده والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام منه والتدبير عليه؟ هذا مالا يتسع له إلا قلب خراب لم يسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته، بل إذا مسه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج ناداه حرس قلبه: إياك وحمى الملك، اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء فيها ونزل بها مالك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك وأدار عليه الحرس وأحاطه بالسور. قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين} (سورة ص الآيتان 82ـ83) قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} (سورة الحجر الآية 42) وقال: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} (سورة النحل الآيتان 99ـ100)، وقال في حق الصديق يوسف صلى الله عليه وسلّم :{كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} (سورة يوسف الآية 24) فما أعظم سعادة من دخل هذا ????? وصار داخل اليزك لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به، ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (سورة الحديد الآية 21) .


يتبع




 

رد مع اقتباس