عرض مشاركة واحدة
قديم 20-09-2011, 01:39 AM   #4
المشتاق الى الجنة
عضو مجلس اداره سابق


الصورة الرمزية المشتاق الى الجنة
المشتاق الى الجنة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32324
 تاريخ التسجيل :  11 2010
 أخر زيارة : 05-11-2012 (04:00 PM)
 المشاركات : 100 [ + ]
 التقييم :  192
لوني المفضل : Cadetblue






السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (سورة الشورى الآية 30) وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه صلى الله عليه وسلّم : {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} (سورة آل عمران الآية 165) فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أولا يعلمه، وما لايعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره. وفي الدعاء المشهور: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم» فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب. ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه، فقال له: قف حتى أدخل البيت ثم أخرج إليك، فدخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب إلى ربه، ثم خرج إليه فقال: ما صنعت ؟ فقال: تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به علي وسنذكر إن شاء الله تعالى أنه ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح. وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولا بد، فما أسعده من عبد وما أبركها من نازلة نزلت به، وما أحسن أثرها عليه ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا لا معرفة به ولا إرادة له ولا قدرة عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


السبب الثامن:
الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديماً وحديثاً لكفى به، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة. فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه من الله جنة واقية وحصن حصين. وبالجملة فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها.
ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد والعائن، فإنه لا يفتر ولا يني، ولا يبرد قلبه حتى تزول النعمة عن المحسود، فحينئذ يبرد أنينه وتنطفىء ناره، لا أطفأها الله. فما حرس العبد نعم الله عليه بمثل شكرها، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله، وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعم . فالمحسن المتصدق يستخدم جنداً وعسكراً يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه، فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه وإن تأخرت مدة الظفر، والله المستعان.

السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله: وهو طفي نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً وله نصيحة وعليه شفقة وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلاً عن أن تتعاطاه. فاسمع الآن قوله عزوجل: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} (سورة فصلت الآيات 34ـ36) وقال: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} (سورة القصص الآية 54) وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلّم الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه ضربه قومه حتى أدموه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان قابل بها إساءتهم العظيمة إليه:



ـ أحدها عفوه عنهم.
ـ والثاني استغفاره لهم.
ـ والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون.
ـ والرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال: «اغفر لقومي» كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي هذا غلامي هذا صاحبي، فهبه لي.
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به: اعلم أن لك ذنوباً بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك. ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ؟ ليعاملك الله هذه المعاملة، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقاً، فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن، أو اترك، وكما تدين تدان، وكما تفعل مع عباده يفعل معك. فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه. هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعونته ومعيته الخاصة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم للذي شكى إليه قرابته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه، فقال: «لايزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك» هذا مع ما يتعجله من ثناء الناس عليه ويصيرون كلهم معه على خصمه، فإنه كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير وهو مسيء إليه وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء، وذلك أمر فطري فطر الله عليه عباده. فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكراً لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعاً ولا خبزاً هذا مع أنه لا بد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين: إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده وينقاد له، ويذل له ويبقى من أحب الناس إليه، وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه، فإنه يذبحه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه، ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة، والله هو الموفق المعين، بيده الخير كله لا إله غيره، وهو المسؤول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه. ..

السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه الآيات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يحسن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده، لا أحد سواه، قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} (سورة هود الآية 107) وقال النبي صلى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» فإذا جرد العبد التوحيد لله خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله، بل تفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلاً واشتغالاً به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفع عنه، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فإن كان مؤمناً فالله يدافع عنه ولا بد، وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه، فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة، كما قال بعض السلف: من أقبل إلى الله بكليته أقبل الله عليه جملة، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة.



فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، وليس له أنفع من توجهه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده، ولا يرجو سواه، بل يرجوه وحده ولا يعلق قلبه بغيره، ولا يستغيث بسواه، ولا يرجو إلا إياه، ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل من جهته، فمن خاف شيئاً غير الله سلط عليه، ومن رجا شيئاً سوى الله خذل من جهته وحرم خيره، هذه سنة الله في خلقه، لن تجد لسنة الله تبديلاً.
بدائع الفوائد


يتبع





 

رد مع اقتباس