06-10-2011, 07:30 AM
|
#170
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة البقرة - الآية: 170
| (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"170") | وهذه الآية تعالج قضية خطيرة في المجتمع الإسلامي، قضية تقليد الناس لعادات آبائهم. والتقاليد هو نشأة طبيعة في الإنسان، لأن الإنسان حين يخرج للوجود ممداً بطاقة الحياة؛ فهذه الطاقة تريد أن تتحرك؛ وحركتها تأتي دائما وفق ما ترى من حركة السابق لها، فالطفل الصغير لا يعرف أن يده تتناول أشياء إلا إذا رأى في البيئة المحيطة به إنسانا يفعل ذلك، وحين يريد الطفل أن يتحرك، فهو يقلد حركة الذين حوله، ولذلك تجد الأطفال دائما يقلدون آباءهم في معظم حركاتهم، وحين يوجد الأطفال مع أجيال متعاقبة تمثل أعماراً مختلفة، فإن الطفل الصغير يقلد في حركته البدائية خليطا من حركات هذه الأجيال، فهو يقلد جده، ويقلد جدته، ويقلد أباه وأمه، وإخوته؛ فتنشأ حركات مختلطة تمثل الأجيال كلها.
ولذلك فاندماج الطفل في أسرة مكونة من آباء وأجداد، تمثل في الإنسان طبيعة الحياة المتصلة بمنهج الحركة في الأرض وبمنهج السماء؛ لأن الطفل حين يعيش مع أبيه فقط، قد يجده مشغولا في حركة الحياة التي ربما شدته عن قيم الحياة أو عن منهج السماء؛ لكنه حين يرى أبا لأبيه؛ هو جده قد فزع من حركة الحياة، واتجه إلى منهج القيم؛ لأنه قريب عهد فيما يظن بلقاء الله، فإن كان لا يصلي في شبابه فهو يصلي الآن، وإن كان لا يفعل الطاعات سابقا؛ أصبح يفعلها الآن، وهكذا يرى الطفل حركة الحياة الجامحة في الدنيا والتلهف عليها من أبيه، ويجد الإقبال على القيم والعبادات ن جده، ولذلك تجده ربما عاون جده على الطاعة؛ فساعة يسمع الطفل المؤذن يقول: "الله اكبر"، فهو يعرف أن جده يريد أن يصلي؛ فيذهب هو ويأتي بالسجادة ويفرشها لجده؛ ويقف مقلدا جده، وإن كانت بنتا، فنحن نجدها تقلد أمها أو جدتها وتضع الغطاء على رأسها لتصلي، إذن، فاندماج الأجيال يعطي الخير من الحركتين، حركة مادية الحياة وحركة قيم منهج السماء، ولذلك يمتن الحق علينا قائلا:
{وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
(من الآية 72 سورة النحل)
إذن، فتقليد الأجيال اللاحقة للأجيال السابقة أمر تقتضيه طبيعة الوجود. وحين يدعو الله الناس أن يتبعوا ما ينزله على الرسل فهو ينهاهم أن يتبعوا تقليد الآباء في كل حركاتهم، لأنه قد تكون حركة الآباء قد اختلت بالغفلة عن المنهج أو بنسيان المنهج، لذلك يدعونا ويأمرنا سبحانه: أن ننخلع عن هذه الأشياء ونتبع ما أنزل الله، ولا نهبط إلى مستوى الأرض، لأن عادات ومنهج الأرض قد تتغير، ولكن منهج السماء دائما لا يتغير، فاتبعوا ما أنزل الله. والناس حين يحتجون يقولون: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. وتلك قضية تبريرية في الوجود، ولو كان ذلك حقا وصدقا، ومطابقا للواقع، لما كرر الله الرسالات بعد أن علم آدم كل المنهج الذي يريد؛ لأننا لو كنا نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. لكان أبناء آدم سيتبعون ما كان يفعله آدم، وأبناء أبناء آدم يتبعون آباءهم، وهكذا يظل منهج السماء موجوداً متوارثاً فلا تغيير فيه. إذن فما الذي اقتضى أن يتغير منهج السماء؟
إن هذا دليل على أن الناس قد غيروا المنهج، ولذلك فقولهم: "نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" هي قضية مكذوبة، لأنهم لو اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم؛ لظل منهج الله في الأرض مضيئا غير متأثر بغفلة الناس ولا متأثرا بانحرافات أهل الأرض عن منهج السماء. وهو تبرير يكشف أن ما وجدوا عليه آباءهم يوافق أهواءهم. وقوله الحق: "اتبعوا" أي اجعلوا ما أنزل عليكم من السماء متبوعا وكونوا تابعين لهذا المنهج؛ لا تابعين لسواه؛ لأن ما سوى منهج السماء هو منهج من صناعة أهل الأرض، وهو منهج غير مأمون، وقولهم: "ما ألفينا عليه آباءنا" أي ما وجدنا عليه آباءنا، وما تفتحت عليه عيوننا فوجدناه حركة تحتذي وتقتدي.
والحق يبين لهم أن هذا كلام خاطئ، وكلام تبريري وأنتم غير صادقين فيه، وعدم الصدق يتضح في أنكم لو كنتم متبعين لمنهج السماء؛ لما تغير المنهج، هذا أولا، أما ثانيا، فأنتم في كثير من الأشياء تختلفون عن آبائكم، فحين تكون للأبناء شخصية وذاتية فإننا نجد الأبناء حريصين على الاختلاف، ونجد أجيالا متفسخة، فالأب يريد شيئا والابن يريد شيئا آخر، لذلك لا يصح أن يقولوا: "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"؛ لأنه لو صح ذلك لما اختلف منهج الله على الأرض لكن المنهج اختلف لدخول أهواء البشر، ومع ذلك نرى بعضا من الخلاف في سلوك الأبناء عن الآباء، ونقبل ذلك ونقول: هذا بحكم تغيير واختلاف الأجيال، أي أن الأبناء أصبحت لهم ذاتية. ولذلك فالقول باتباع الأبناء للآباء كذب لا يمثل الواقع.
والحق سبحانه وتعالى يرد على هذه القضية لأنها قضية تبريرية لا دليل لها من صدق، ولا برهان لها من واقع. ويقول سبحانه: "أو لم كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" أي أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم حتى ولو كان آباؤهم لا يعقلون ولا يهتدون؟. إذن، الرد جاء من ناحيتين، من ناحية التعقل، ومن ناحية الاهتداء، وكل من التعقل والاهتداء منفي عن الآباء في هذه الآية، فأنتم تتبعونهم اتباعا بلا تفكير، اتباعا أعمى. والإنسان لا يطيع طاعة عمياء إلا لمن يتيقن صدق بصيرته النافذة المطلقة، وهذه لا يمكن أن تتأتى من بشر إلى بشر، فالطاعة المطلقة لا تصح أن تكون لشيء إلا لمنهج السماء، وحين تكون طاعة عمياء لمن تثق ببصره الشافي الكافي الحكيم؛ فهي طاعة مبصرة وبصيرة في آن واحد. لأنك تحمي نفسك من خطأ بصرك، وخطأ بصيرتك، وتلتزم في التبعية بمن تعتقد أن بصره وبصيرته لا يخطئان أبدا، عندها لا تكون طاعة عمياء. |
|
|
|