(2)
مارستُ الهرب ردحًا طيبًا من الزمن , كل الأفكار التي كانت تمرّ ببالي كنتُ أهرب منها ,
المواقف التي تتطلبُ مني مواجهة أتفادها , والأشخاص من حولي حينَ لا أفهمهم أتركهم
وأمضي . كنتُ قاصرًا , وقبل شهر قررتُ أن أواجه كل شيء , فأحسستُ بالنضجْ . أدينُ
بالكثير لتلكَ التي حرضتني على فعل ذلك من حيثُ لا تدري ولا أدري.
بعد ممارسة الهروب الطويل , الذي لا ينقطع , ومجرّد الإلتفاف إلى الوراء خطوة واحدة ,
وجدتُ نفسي عالقًا في شبكة عنكبوت ضخمة جدًا , متداخلة , متشابكة , فوضويّة ,
والعَلقُ فيها لا مهرب منه . علقتُ بالطبع , وفقدتُ الكثير من الإدارك والوعيّ , ولم أعد
أستوعبُ شيئًا مما يحصل , فقط أعيش اللحظة كأعمى يشاهد فيلمًا أجنبيًا بلغة لا يفهمها .
الماضي يعود , يعود كعاصفة جارفة , وأنا عُود القش ذاكَ الذي لا يجد ما يتشبّثُ به .
أحاول أن أدرك , أن أتأقلم مع وضعي الجديد , أن أتقبّل فكرة الطيران الفوضوي بعد أن
كنتُ خلد الأرض , يبدو أن هذا ينجحُ نسبيًا , ولكني بالمقابل أستهلك الكثير من طاقتي .
طوال الأسبوع الماضي لم يكن في مدخرة الحياة خاصتي ما يبلغني الليل . قوى غير
مؤلوفة كانت تزودني بما أحتاجه حتى أبقى على قيد الحياة . لا أدري رُبما هو الإيمان ,
ورُبما محبة الله . وربما من نفسي . لم أكن وقتها واعيًا . كنتُ هائمًا بين جناحيّ الموتْ .
أخبرتُ أمي قبل فترة أن تجاوز العقد الثاني من الحياة صعب , صعب. لا أذكرُ كيف تقبلت
الأمر حينها . ما يهمني أن نبوءتي بصعوبة التجاوز تحققت . أمامي الآن أحدَ عشر شهرًا
وأيام لأبلغ عتبتي العشرين , وحقًا ما زلتُ أعتقد أنه طريقٌ يستحيلٌ عليّ الوصول إلى
نهايته تحت الظروف الطبيعية . لا بدّ من معجزة .