09-10-2011, 03:57 PM
|
#254
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة البقرة - الآية: 256
| (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم "256") | إن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا نحن العباد المؤمنين ولسائر البشرية أنه: "لا إكراه في الدين". والإكراه هو أن تحمل الغير على فعل لا يرى هو خيراً في أن يفعله. أي لا يرى الشخص المكره فيه خيراً حتى يفعله. ولكن هناك أشياء قد نفعلها مع من حولنا لصالحهم، كأن نرغم الأبناء على المذاكرة، وهذا أمر لصالح الأبناء، وكأن نجبر الأطفال المرضى على تناول الدواء. ومثل هذه الأمور ليست إكراهاً، إنما هي أمور نقوم بها لصالح من حولنا؛ لأن أحداً لا يسره أن يظل مريضاً.
إن الإكراه هو أن تحمل الغير على فعل من الأفعال لا يرى فيه هو الخير بمنطق العقل السليم. ولذلك يقول الحق سبحانه: "لا إكراه في الدين". ومعنى هذه الآية أن الله لم يكره خلقه ـ وهو خالقهم ـ على دين، وكان من الممكن أن الله يقهر الإنسان المختار، كما قهر السماوات والأرض والحيوان والنبات والجماد، ولا أحد يستطيع أن يعصى أمره. فيقول سبحانه:
{لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً }
(من الآية 31 سورة الرعد)
لكن الحق يريد أن يعلم من يأتيه محباً مختاراً وليس مقهوراً، أن المجيء قهراً يثبت له القدرة، ولا يثبت له المحبوبية، لكن من يذهب له طواعية وهو قادر ألا يذهب فهذا دليل على الحب، فيقول تعالى: "لا إكراه في الدين" أي أنا لم أضع مبدأ الإكراه، وأنا لو شئت لآمن من في الأرض كلهم جميعاً. فهل الرسل الذين أرسلهم سبحانه يتطوعون بإكراه الناس؟. لا، إن الرسول جاء لينقل عن الله لا ليكره الناس، وهو سبحانه قد جعل خلقه مختارين، وإلا لو أكرهم لما أرسل الرسل، ولذلك يقول المولى عز وجل:
{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "99"}
(سورة يونس)
إن الرسول له مهمة البلاغ عن الله؛ لأن الله لم يرد خلقه مكرهين على التدين، إذن فالمبلغ عنه لا يكره خلقه على التدين، إلا أن هنا لبساً. فهناك فرق بين القهر على الدين، والقهر على مطلوب الدين، هذا هو ما يحدث فيه الخلاف.
تقول لمسلم: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: "لا إكراه في الدين"، ويدعي أنه مثقف، ويأتيك بهذه الآية ليلجمك بها، فتقول له: لا. "لا إكراه في الدين" عقدية وإيماناً، إنما إن آمنت وأعلنت أنك آمنت بالله وصرت معنا مسلما فلابد أن تعرف أنك إن كسرت حكماً من أحكام الإسلام نطلب منك أن تؤديه، أنت حر أن تؤمن أو لا تؤمن، لكن حين التزمت بالإيمان، فعليك مسئولية تنفيذ مطلوب الإيمان، وإلا حسب تصرفك أنه من تصرفات الإسلام، فإذا كنت تشرب خمراً فإنك حر؛ لأنك كافر مثلاً، لكن أتؤمن ثم تشرب خمراً!؟ لا. أنت بذلك تكسر حداً من حدود الله، وعليك العقاب.
ولأنك مادمت قد علمت كعاقل رشيد مطلوب الإسلام، فعليك أن تنفذ مطلوب الإسلام، ولذلك لم يكلف الله الإنسان قبل أن ينضج عقله بالبلوغ؛ حتى لا يقال: إن الله قد أخذ أحداً بالإيمان وألزمه به قبل أن يكتمل عقله. بل ترك التكليف حتى ينضج الإنسان ويكتمل، حتى إذا دخل إلى دائرة التكليف عرف مطلوباته، وهو حر أن يدخل إلى الإيمان أو لا يدخل، لكن إن دخل سيحاسب. إذن فلا يقل أحد عندما يسمع حكماً من أحكام الدين: "لا إكراه في الدين"؛ لأن هذه الآية نزلت بشأن العقيدة الأساسية، فإن اتبعت هذه العقيدة صار لزاماً عليك أن توفي بمطلوباتها. وقد أراد خصوم الإسلام أن يصعدوا هذه العملية فقالوا كذباً وافتراء: إن الإسلام انتشر بحد السيف.
ونقول لهم: لقد شاء الله أن ينشأ الإسلام ضعيفا ويضطهد السابقون إليه كل أنواع الاضطهاد، ويعذبون، ويخرجون من ديارهم ومن أموالهم ومن أهلهم، ولا يستطيعون عمل شيء. إذن ففترة الضعف التي مرت بالإسلام أولا فترة مقصودة.
ونقول لهم أيضا: من الذي قهر وأجبر أول حامل للسيف أن يحمل السيف؟! والمسلمون ضعاف ومغلبون على أمرهم، لا يقدرون على أن يحموا أنفسهم، إنكم تقعون في المتناقضات عندما تقولون: إن الإسلام نشر بالسيف. ويتحدثون عن الجزية رفضاً لها، فنقول: وما هي الجزية التي يأخذها الإسلام من غير المسلمين كضريبة للدفاع عنهم؟ لقد كان المسلمون يأخذون الجزية من البلاد التي دخلها الفتح الإسلامي، أي أن هناك أناساً بقوا على دينهم. ومادام هناك أناس باقون على دينهم فهذا دليل على أن الإسلام لم يكره أحداً.
وقول الله: "لا إكراه في الدين" علته أن الرشد واضح والغي واضح، ومادام الأمر واضحا فلا يأتي الإكراه يأتي في وقت اللبس، وليس هناك لبس، لذلك يقول الحق: "قد تبين الرشد من الغي". ومادام الرشد بائنا من الغي فلا إكراه. لكن الله يعطيك الأدلة،وأنت أيها الإنسان بعقلك يمكنك أن تختار، كي تعرف أنك لو دخلت الدين لالتزمت، وحوسبت على دخولك في الدين، فلا تدخل إلا وأنت مؤمن واثق بأن ذلك هو الحق؛ لأنه سيترتب عليه أن تقبل أحكام الدين عليك. "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" والرشد: هو طريق النجاة، و"الغي": هو طريق الهلاك. ويقول الحق إيضاحاً للرشد والغي في آية أخرى من آيات القرآن الكريم:
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين "146" }
(سورة الأعراف)
إن الحق يعلمنا أن المتكبرين في الأرض بغير حق لن يستطيعوا الفوز برؤية آيات الله ودلائل قدرته، وحتى إن رأوا السبيل الصحيح فلن يسيروا فيه، وإن شاهدوا طريق الضلال سلكوا فيه لأنهم يكذبون بآيات الرحمن ويغفلون عنها. والغي ـ أيضا ـ هو ضلال الطريق، فعندما يسير إنسان في الصحراء ويضل الطريق يقال عنه: "فلان قد غوى" أي فقد الاتجاه الصحيح في السير، وقد يتعرض لمخاطر جمة كلقاء الوحوش وغير ذلك. ويوضح لنا الحق طريق الرشد بمنطوق آخر في قوله الحق:
{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا "10" }
(سورة الجن) |
|
|
|