09-10-2011, 03:57 PM
|
#256
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة البقرة - الآية: 258
| (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "258") | وساعة تسمع "ألم تر"؛ فأنت تعلم أنها مكونة من همزة هي "أ" وحرف نفي وهو "لم"، ومنفي هو "تر" والهمزة: تأتي هنا للإنكار، والإنكار نفي بتقريع، ولكنها لم تدخل على فعل مثبت حتى يقال: إنها أنكرت الفعل بعدها، مثلما تقول للولد: أتضرب أباك! هنا الهمزة جاءت لا لتستفهم وإنما أتت تنكر هذه الفعلة، لأن الفعل بعدها مثبت وهو "تضرب"، وجاءت الهمزة قبله فتسمى "همزة إنكار" للتقريع. إذن فالإنكار: نفي بتقريع إذا دخلت على فعل منفي.
ومادام الإنكار نفيا والفعل بعدها منفي فكأنك نفيت النفي، إذن فقد أثبته، كأنه سبحانه عندما يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: "ألم تر" فالمقصود "أنت رأيت". ولماذا لم يقل له: أرأيت". لقد جاء بها بأسلوب النفي كي تكون أوقع، فقد يكون مجيء الإثبات تلقيناً للمسئول، فعندما يقول لك صديق: أنت لم تسأل عني وأنت تهملني. فأنت قد ترد عليه قائلا: ألم أساعدك وأنت ضعيف؟ ألم آخذ بيدك وأنت مريض؟
لقد سبق أن قدمت خدماتك لهذا الصديق، ولكنك تريد أن تنكر النفي الذي يقوله هو، وهكذا نعلم أن نفي النفي إثبات، ولذلك فنحن نأخذ من قوله تعالى من هذه العبارة "ألم تر" على معنى: أنت رأيت، والرؤية تكون بالعين. فهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو المخاطب الأول بالقرآن الكريم من ربه ـ هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة أيام إبراهيم؟ طبعا لا، فكأن "ألم تر" هنا تأتي بمعنى: ألم تعلم.
ولماذا جاء بـ"ألم تر" هنا؟ لقد جاء بها لنعلم أن الله حين يقول: "ألم تعلم" فكأنك ترى ما يخبرك به، وعليك أن تأخذه على أنه مصدق كأنك رأيته بعينك. فالعين هي حاسة من حواسك، والحاسة قد تخدع، ولكن ربك لا يخدع، إذن فـ"ألم تر" تعني: "ألم تعلم علم اليقين"، وكأنك قد رأيت ما يخبرك به الله، ولذلك يقول تعالى للرسول:
{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1" }
(سورة الفيل)
والرسول ولد عام الفيل، فلم ير هذه الحادثة، وكأن الله يخبره بها ويقول له: ألم تعلم، وكأنه يقول له: اعلم علماً يقينا كأنك تراه؛ لأن ربك أوثق من عينيك، وعندما يقال: "ألم تر" فالمراد بها "ألم تر كذا"، لكن الحق قال: "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه" واستعمال حرف "إلى" هنا يشير إلى أمر عجيب قد حدث ومثال ذلك ما نقوله أحيانا: ألم تر إلى زيد يفعل كذا. فكأن ما فعله زيد أمر عجيب، وكأنه ينبه هنا إلى الالتفات إلى نهاية الأمر، لأن "إلى" تفيد الوصول إلى غاية، فكأنها مسألة بلغت الغاية في العجب، فلا تأخذها كأنك رأيتها فقط، ولكن انظر إلى نهايتها فيما حدث.
والحق يقول هنا: "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه" و"إلى" جاءت هنا لتدل على أنه أمر بلغ من العجب غاية بعيدة، وهو بالفعل قد بلغ من العجب غاية بعيدة، والحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم في ربه، لأنه لا يعنينا التشخيص سواءً كان النمروذ أو غيره.
فإذا ذهب بعض المفسرون إلى القول: إنه ملك واسمه النمروذ. فإننا نقول لهم شكراً لاجتهادكم، ولكن لو شاء الله تحديد اسم الرجل لحدده لنا، والذي يهمنا هو أنه واحد خرج على رسول اله إبراهيم عليه السلام وجادله في هذه المسألة، والتشخيص هنا ليس ضرورياً، والحق سبحانه وتعالى حينما يريد شيوع الأمر وإمكان حدوثه في أي زمان أو مكان فإن الله لا يشخص الأمر، فأي إنسان في أي مكان قد يحاجج أي مؤمن. وليس كذلك الأمر بالنسبة لأي تشخيص أو تحديد، ومثال ذلك هؤلاء الذين يريدون أن يعرفوا قصة أهل الكهف، ويتساءلون: أين ومتى، وكم عددهم، ومن هم؟
ونقول: لو جاءت واحدة من هؤلاء لفسدت القصة؛ لأنه لو حددنا زمانها سيأتي واحد يقول لك: مثل ذلك الزمان الذي حدثت فيه القصة كان يسمح بها. ولو حددنا المكان سيقول آخر: إن المكان كان يسمح بهذه المسألة. ولو حددنا الأشخاص بأسمائهم فلان وفلان، فسيقول ثالث: إن مثل هذه الشخصيات يمكن أن يصدر منها مثل هذا السلوك وأني لنا بقوة إيمان هؤلاء؟ والحق لم يحدد الزمان والمكان والأشخاص وجاء بها مبهمة ليدل على أن أي فتية في أي زمان وفي أي مكان يقولون ما يقولون، ولو شخصها في واحد لفسد المراد. للنظر إلى دقة الحق حين ضرب مثلا للذين كفروا بامرأة نوح وامرأة لوط حين قال جل وعلا:
{ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين "10" }
(سورة التحريم)
ولم يحدد لنا اسم امرأة من هاتين المرأتين، بل ذكر الأمر المهم فقط؛ وهو أن كلا منهما زوجة لرسول كريم، ولكن كلا منهما أصرت على الكفر فدخلتا النار. ولكن الحق سبحانه وتعالى حين أراد التخصيص بحادث لن يتكرر في أي زمان أو مكان جاء بذكر السيدة مريم بالتشخيص والتحديد الواضح حين قال:
{ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين "12" } (سورة التحريم) |
|
|
|