09-10-2011, 04:03 PM
|
#273
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة البقرة - الآية: 275
| (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "275") | وانظروا إلى كلمة "يأكلون"، هل كل حاجات الحياة أكل؟ لا، فحاجات الحياة كثيرة، الأكل بعضها، ولكن الأكل أهم شيء فيها؛ لأنه وسيلة استبقاء النفس. و"الربا" هو الأمر الزائد، ومادام هو الأمر الزائد يعني هو لا يحتاج أن يأكل، فهذا تقريع له. إن الحق يريد أن يبشع هذا الأمر فيقول: لهم سمة. هذه السمة قال العلماء أهي في الآخرة يتميزون بها في المحشر، كما يقول الحق:
{يعرف المجرمون بسيماهم }
(من الآية 41 سورة الرحمن)
فهؤلاء غير المصلين لهم علامة مميزة، وهؤلاء غير المزكين لهم علامة أخرى مميزة بحيث إذا رأيتهم عرفتهم بسيماهم، وأنهم من أي صنف من أصناف العصاة فكأنهم حين يقومون يوم القيامة يقومون مصروعين كالذي يتخبطه ويضربه الشيطان من المس فيصرعه، أو أن ذلك أمر حاصل لهم في الدنيا، ولنبحث هذا الأمر:
"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقول الذي يتخبطه الشيطان من المس". نريد أن نعرف كلمة "التخبط" وكلمة "الشيطان" وكلمة "المس". "التخبط هو الضرب على غير استواء وهدى، أنت تقول: فلان يتخبط، أي أن حركته غير رتيبة، غير منطقية، حركة ليس لها ضابط، ذلك هو التخبط. و"الشيطان" جنس من خلق الله؛ لأن الله قال لنا: إنه خلق الإنس والجن، والجن منهم شياطين، وجن مطلق، والشيطان هو عاصي الجن. ونحن لم نر الشيطان، ولكننا علمنا به بوساطة إعلام الحق الذي آمنا به فقال: أنا لي خلقا مستتر، ولذلك سميته الجن، من الاستتار ومنه المجنون أي المستور عقله، والعاصي من هذا الخلق اسمه "شيطان".
إذن فإيماننا به لا عن حس، ولكن عن إيمان بغيب أخبرنا به من آمنا به. وحين نجد شيئاً اسمه الإيمان يجب أن نعرف أنه متعلق بشيء غير محس؛ لأن المحس لا يقال لك: آمن به؛ لأنه مشهود لك، فأنا لا أقول: أنا أؤمن بأن المصباح منير الآن، أنا لا أؤمن بأننا مجتمعون في المسجد الآن، لا أقول ذلك لأن هذا واقع مشهود ومحس. إذن فالأمر الإيماني يتعلق بالغيب، مثل الإيمان بوجود الملائكة. فإذا ما كنا قد آمنا بالغيب نجد الحق سبحانه وتعالى يعطي لنا صورة للشيطان، ولكنه حين يعطينا صورة للشيطان أو لرأس الشيطان المميزة له، كما أن رءوسنا نحن هي التي تميزنا يتكلم سبحانه عن شجرة الزقوم فيقول جل شأنه:
{إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم "64" طلعها كأنه رؤوس الشياطين "65"}
(سورة الصافات)
وشجرة الزقوم في الآخرة في النار، إذن فنحن لا نراها، ورءوس الشياطين لا نراها، فكيف يشبه الله ما لم نره بما لم نره، يشبه شيئا مجهولاً بشيء مجهول؟ نقول: نعم، وذلك أمر مقصود للإعجاز القرآني؛ لأن للشيطان صورة متخيلة بشعة، بدليل أنك لو طلبت من رسامي العالم في فن الكاريكاتير، وقلت لهم: ارسموا لنا صورة الشيطان، ولم تعطهم ملامح صورة محددة، فكل منهم يرسم وفق تخيله كياناً غاية في القبح: فهذا يصوره بالقبح من ناحية، وذلك يصوره بالقبح من ناحية أخرى بحيث لو جمعت الرسوم لما اتحد رسم مع رسم.
إذن فكل واحد يستبشع صورة يرسمها. وساعة نعطي الجائزة لمن رسم صورة الشيطان أنعطي الجائزة لأجملهم صورة أم لأقبحهم صورة؟ إننا نعطي الجائزة لصاحب أشد الصور قبحا. إذن فصورة الشيطان المتمثلة صورة بشعة قبيحة، ولو جاء على صورة واحدة من القبح لاختلف الناس حول هذه الصورة فلعل هذا يكون قبحا عندك ولا يكون قبحا عن آخر، ولكن حين يطلق الله أخيلة الناس في تصور القبح، يكون القبح مائلا وواضحا في عمل كل إنسان فتكون الصورة اكمل وأوفى فالأكمل والأوفى أن يكون القبح شائعا فيها جميعا.
ويقول الحق: "الذي يتخبطه الشيطان من المس" الشيطان قلنا: إنه العاصي من الجن، وقلنا: إن ربنا سبحانه وتعالى حكى لنا كثيرا أن الشياطين لهم التصاق واتصال بكثير من الإنس:
{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا "6" }
(سورة الجن)
و"لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مساً أفسد استقامة ملكاته، فالتكوين الإنساني له استقامة ملكات مع بعضها البعض؛ فكل حركة لها استقامة، فإذا ما مسه الشيطان فسد تآزر الملكات، فملكاته النفسية تكون غير مستقيمة وغير منسجمة مع بعضها البعض، فتكون حركته غير رتيبة وغير منطقية. وما المناسبة بين هذه الصورة وبين عملية الربا؟. إن أردنا في الآخرة ميزة، فساعة ترى واحداً مصروعا فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة، وفي الدنيا تجد أيضاً أن له حركة غير منطقية، هستيرية، كيف؟
انظر إلى العالم الآن، لقد خلق الله العالم على هيئة من التكامل. فهذا إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب، وذاك يتمتع بمواهب وإمكانات أخرى، حتى يحتاج صاحب هذه الإمكانات إلى صاحب تلك الإمكانات فيكتمل الكون، ولو أن كل إنسان كان وحده متكررة لاستغنى الكل عن الكل. ولو أن الأفراد متساوون في المواهب لما احتاج الناس لبعضهم البعض. لكن المواهب تختلف؛ لأنك إن أجدت فنا من فنون الحياة فقد أجاد سواك فنونا أخرى أنت محتاج إليها، فإن احتاجوا إليك فيما أجدت، فقد احتجت إليهم فيما أجادوا، وهكذا يتكامل العالم. وكذلك خلق الله الكون: مناطق حارة، ومناطق باردة، ومناطق بها معادن، ومناطق بها زراعة؛ حتى يضطر العالم إلى أن يتكامل، ويضطر العالم إلى أن يتعايش مع بعضه ولذلك يقول الحق في سورة "الرحمن"
{والأرض وضعها للأنام "10" }
(سورة الرحمن) |
|
|
|