09-10-2011, 04:05 PM
|
#280
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة البقرة - الآية: 282
| (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم "282") | إنها أطول آية في آيات القرآن ويستهلها الله بقوله: "يا أيها الذين آمنوا" وهذا الاستهلال كما نعرف يوحي بأن ما يأتي بعد هذا الاستهلال من حكم، يكون الإيمان هو حيثية ذلك الحكم، فمادمت آمنت بالله فأنت تطبق ما كلفك به؛ لأن الله لم يكلف كافراً، فالإنسان ـ كما قلنا سابقاً ـ حر في أن يقبل على الإيمان بالله أو لا يقبل.
فإن أقبل الإنسان بالإيمان فليستقبل كل حكم ن الله بالتزام. ونضرب هذا المثل ـ ولله المثل الأعلى ـ إن الإنسان حين يكون مريضاً، هو حر في أن يذهب إلى الطبيب أو لا يذهب، ولكن حين يذهب الإنسان إلى الطبيب ويكتب له الدواء فالإنسان لا يسأل الطبيب وهو مخلوق مثله: لماذا كتبت هذه العقاقير؟. إن الطبيب يمكن أن يرد: إنك كنت حرا في أن تأتي إلى أو لا تأتي، لكن مادمت قد جئت إلى فاسمع الكلام ونفذه. والطبيب لا يشرح التفاعلات والمعادلات لا، إن الطبيب يشخص المرض، ويكتب الدواء. فما بالنا إذا أقبلنا على الخالق الأعلى بالإيمان؟
إننا نفذ أوامره سبحانه، والله لا يأمر المؤمن إلا عن حكمة، وقد تتجلى للمؤمن بعد ذلك آثار الحكمة ويزداد المؤمن ثقة في إيمانه بالله. يقول الحق: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم إلى أجل مسمى فاكتبوه" وعندما نتأمل قول الحق: "تداينتم" نجد فيها "دين"، وهناك "دين"، ومن معنى الدين الجزاء، ومن معنى الدين منهج السماء، وأما الدين فهو الاقتراض إلى موعد يسدد فيه. هكذا نجد ثلاثة معان واضحة: الدين: وهو يوم الجزاء، والدين وهو المنهج السماوي والدين: هو المال المقترض.
والله يريد من قوله: "تداينتم بدين" أن يزيل اللبس في معنيين، ويبقى معنى واحداً وهو الاقتراض فقال: "بدين" فالتفاعل هنا في مسألة الدين لا في الجزاء ولا في المنهج، والحق يحدد الدين بأجل مسمى. وقد أراد الله بكلمة "مسمى" مزيداً من التحديد، فهناك فرق بين أجل لزمن، وبين أجل لحدث يحدث، فإذا قلت: الأجل عندي مقدم الحجيج. فهذا حدث في زمن، ومقدم الحجيج لا يضمنه أحد، فقد تتأخر الطائرة، أو يصاب بعض من الحجيج بمرض فيتم حجز الباقين في الحجر الصحي.
أما إذا قلت: الأجل عندي شهران أو ثلاثة أشهر فهذا يعني أن الأجل هو الزمن نفسه، لذلك لا يصح أن يؤجل أجل دينه إلى شيء يحدث في الزمن؛ لأنه من الجائز ألا يحدث ذلك الشيء في هذا الزمن. إن التداين بدين إلى أجل مسمى يقتضي تحديد الزمن، والحق يوضح لنا: "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" وكلمة "فاكتبوه" هي رفع لحرج الأحباء من الأحباء. إنه تشريع سماوي، فلا تأخذ أحد الأريحية، فيقول لصاحبه: "نحن أصحاب"، إنه تشريع سماوي يقول لك: اكتب الدين، ولا تقل: "نحن أصدقاء" فقد يموت واحد منكما فإن لم تكتب الدين حرجاً فماذا يفعل الأبناء، أو الأرامل، أو الورثة؟.
إذن فإلزام الحق بكتابة الدين هو تنفيذ لأمر من الله يحقق رفع الحرج بين الأحباء. ويظن كثير من الناس أن الله يريد بالكتابة حماية الدائن. لا، إن المقصود بذلك والمهم هو حماية المدين، لأن المدين إن علم أن الدين عليه موثق حرص أن يعمل ليؤدي دينه، أما إذا كان الدين غير موثق فيمن الجائز أن يكسل عن العمل وعن سداد الدين. وبذلك يحصل هو وأسرته على حاجته مرة واحدة، ثم يضمن المجتمع الغني على المجتمع الفقير فلا يقرضه؛ ويأخذون عجز ذلك الإنسان عن السداد ذريعة لذلك، ويقع هذا الإنسان الذي لم يؤد دينه في دائرة تحمل الوزر المضاعف، لأنه ضيق باب القرض الحسن.
إن الله يريد أن يسير دولاب الحياة الاقتصادية عند من لا يملك، لأن من يملك يستطيع أن يسير حياته، أما من لا يملك فهو المحتاج. ولذلك فهناك مثل في الريف المصري يقول: من يأخذ ويعطي يصير المال ماله. إنه يقترض ويسدد، لذلك يثق فيه كل الناس، ويرونه أميناً ويرونه مجداً، ويرونه مخلصاً، ويعرفون عنه أنه إذا أخذ وفى، فكل المال يصبح ماله. إذن فالله ـ سبحانه ـ بكتابة الدين يريد حماية حركة الحياة عند غير الواجد؛ لأن الواجد في غير حاجة إلى القرض. لذلك جاء الأمر من الحق سبحانه: "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه". ومن الذي يكتب الدين؟.
انظر الدقة: لا أنت أيها الدائن الذي تكتب، ولا أنت أيها المدين، ولكن لابد أن يأتي كاتب غير الاثنين، فلا مصلحة لهذا الثالث من عملية الدين "وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله". وفي ذلك إيضاح بأن الإنسان الذي يعرف الكتابة إن طلب منه أن يكتب ديناً ألا يمتنع عن ذلك، لماذا؟ لأن الآية ـ آية الدين ـ قد نزلت وكانت الكتابة، فكان هناك طلب شديد على من يعرف الكتابة.
ولكن إن لم يطلب أحد من الذين يعرفون الكتابة أن يكتب الدين فماذا يفعل؟. إن الحق يأمره بأن يتطوع، وفي ذلك يأتي الأمر الواضح "فليكتب"؛ لأن الإنسان إذا ما كان هناك أمر يقتضي منه أن يعمل، والظرف لا يحتمل تجربة، فالشرع يلزمه أن يندب نفسه للعمل. هب أنكم في زورق وبعد ذلك جاءت عاصفة، وأغرقت الذي يمسك بدفة الزورق، أو هو غير قادر على إدارة الدفة، هنا يجب أن يتقدم من يعرف ليدير الدفة، إنه يندب نفسه للعمل، فلا مجال للتجربة. والحق سبحانه وتعالى حين عرض قضية الجدب في قصة سيدنا يوسف قال:
{تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون "47" ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون "48"}
(سورة يوسف) |
|
|
|