عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2011, 05:03 PM   #295
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة آل عمران - الآية: 11

(كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب "11")
وساعة تسمع "كدأب كذا" فالدأب هو العمل بكدح وبلا انقطاع فنقول: فلان دأبه أن يفعل كذا أي هو معتاد دائما أن يفعل كذا. أو نقول: ليس لفلان دأب إلا أن يغتاب الناس. فهل معنى ذلك أن كل أفعاله محصورة في اغتياب الناس، أو أنه يقوم بأفعال أخرى؟ إنه يقوم بأفعال أخرى لكن الغالب عليه هو الاغتياب، وهذا هو الدأب. فالدأب هو السعي بكدح وتوال حتى يصبح الفعل بالتوالي عادة. إذن فقوله الحق: "كدأب آل فرعون" أي كعادة آل فرعون. وآل فرعون هم قوم جاءوا قبل الرسالة الإسلامية، وقبلهم كان قوم ثمود وعاد وغيرهم.
ويلفتنا الحق سبحانه إلى أن ننظر إلى هؤلاء ونرى ما الذي حدث لهم، إنه سبحانه لم يؤخر عقابهم إلى الآخرة؛ لأنه ربما ظن الناس أن الله قد ادخر عذاب الكافرين إلى الآخرة؛ لأنه قال:

{إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار "10"}
(سورة آل عمران)


لا، بل العذاب أيضا في الدنيا مصداقاً لقوله الحق:

{لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق "34" }
(سورة الرعد)


إن العذاب لو تم تأجيله إلى الآخرة لشقي الناس بالأشقياء، لذلك يأتي الله بأمثلة من الحياة ويقول: "كدأب آل فرعون" أي كعادة آل فرعون، ولا تصير مسألة عادة إلا بالكدح في العمل، وكان دأب آل فرعون هو التكذيب والطغيان وادعاء فرعون الألوهية. ويقول سبحانه: "والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا، فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب" فصار الدأب منهم، ومما وقع بهم، فإذا كانوا قد اعتادوا الكفر والتكذيب فقد أوقع الله عليهم العذاب. لقد كان دأب آل فرعون هو التكذيب، والخالق ـ سبحانه ـ يجازيهم على ذلك بتعذيبهم، ولتقرأ إن شئت قول الحق سبحانه وتعالى:

{والفجر "1" وليال عشر "2" والشفع والوتر "3" والليل إذا يسر "4" هل في ذلك قسم لذي حجر "5" ألم تر كيف فعل ربك بعاد "6" إرم ذات العماد "7" التي لم يخلق مثلها في البلاد "8" وثمود الذين جابوا الصخر بالواد "9" وفرعون ذي الأوتاد "10" الذين طغوا في البلاد "11" فأكثروا فيها الفساد "12" فصب عليهم ربك سوط عذاب "13" إن ربك لبالمرصاد "14"}
(سورة الفجر)


فدأبهم التكذيب وجزاء الله لهم على ذلك هو العذاب والعقاب. إذن فقوله الحقك "فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب" أي أوقع بهم العذاب في الدنيا، وكانت النهاية ما كانت في آل فرعون وثمود ومن قبلهم من القوم الكافرين.
وعندما تسمع قول الله: "والله شديد العقاب" فالذهن ينصرف إلى أن هناك ذنباً يستحق العقاب. وكل الأمور من المعنويات مأخوذة دائماً من المحسات؛ لأن الأصل في إيجاد أي معلومات معنوية هو المشاهد الحسية، وتنقل الأشياء الحسية إلى المعنويات بعد ذلك. لماذا؟ لأن الشيء الحسي مشهود من الجميع، أما الشيء المعنوي فلا يفهمه إلا المتعقلون، والإنسان له أطوار كثيرة. ففي طور الطفولة لا يفهم ولا يعقل الإنسان إلا الأمر المحسوس أمامه.
وقلت قديما في معنى كلمة "الغصب": إنه أخذ وسلب شيء من إنسان صاحب حتى بقوة، وهذا أمر معنوي له صورة مشهدية؛ لأن الذي يسلخ الجلد عن الشاة نسميه غاصباً. ولنر كيف يكون أخذ الحق من صاحبه، إنه كالسلخ تماماً، فالكلمة تأتي للإيضاح. وكلمة "ذنب" وكلمة "عقوبة" مترابطتان؛ فكلمة "ذنب" مأخوذة من مادة ذنب؛ لأن المادة كلها تدل على "التالي" والذنب يتلو المقدمة في الحيوان. والعقاب هو ما يأتي عقب الشيء.
إذن فهناك ذنب وهناك عقاب. ولكن ماذا قبل الذنب، وماذا يتلو العقاب؟ لا يوجد ذنب إلا إذا وجد نص يجرم، فلا ذنب إلا بنص. فليس كل فعل هو ذنب، بل لابد من وجود نص قبل وقوع الذنب. يجرم فعله؛ ولذلك أخذ التقنين الوضعي هذا الأمر، فقال: لا يمكن أن يعاقب إنسان إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص، فلا يمكن أن يأتي إنسان فجأة ويقول: هذا العمل جريمة يعاقب عليها. بل لابد من التنبيه والنص من قبل ذلك على تجريم هذا العمل.
إنه لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص. فالنص يوضح تجريم فعل نوع ما من العمل، وإن قام إنسان بهذا العمل فإنه يجرم، ويكون ذلك هو الذنب، فكأن الذنب جاء تالياً لنص التجريم. والعقاب يأتي عقب الجريمة، وهكذا نجد أن كلا من الذنب والجريمة يأخذان واقع اللفظ ومدلوله ومعناه؛ فالذنب هو التالي للشيء. ولذلك يسمون الدلو الذي يملأونه بالماء "ذنوبا" لأنه هو الذي يتلو الحبل. وأيضا الجزاء في الآخرة:

{فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون "59" }
(سورة الذاريات)