عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2011, 07:54 PM   #302
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 5

(وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "5")
والعجب هو أن تبدي دهشة من شيء لا تعرف سببه، وهذا التعجب لا يتأتى من الله؛ لأنه سبحانه يعلم كل شيء، فإذا صدر عجب من الله مثل قوله الحق:

{كيف تكفرون بالله .. "28"}
(سورة البقرة)


فمعنى هذا أنه سبحانه ينكر أن يكفر الإنسان مع قيام الأدلة على الإيمان؛ لكن بعضاً من الناس ـ رغم ذلك ـ يكفر بالله. وقول الحق سبحانه:

{وإن تعجب .. "5"}
(سورة الرعد)


هو خطاب موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعجب من أنهم كانوا يسمونه قبل أن يبعثه الله رسولاً بالصادق الأمين؛ وبعد ما جاءت الرسالة قالوا: إنه ساحر كذاب.
فكيف يكون صادقاً أميناً ببشريته وذاتيته؛ ثم إذا أمده الحق سبحانه بالمدد الرسالي تتهمونه بالكذب؟ ألم يكن من الأجدر أن تقولوا إنه صار أكثر صدقاً؟ وهل من الممكن أن يكون صادقاً عندكم، ثم يكذب على الله؟
والتعجب أيضاً من أنهم أنكروا البعث من بعد الموت، رغم أنه سبحانه أوضح الأدلة على ذلك؛ ولكن المؤمنين وحدهم هم الذين استقبلوا أمر البحث بالتصديق؛ بمجرد أن أبلغهم به رسول الله مبلغاً عن ربه. ونجد الحق سبحانه وتعالى قد احترم فضول العقل البشري، فأوضح سبحانه ذلك ونصب الأدلة عليه؛ وأبلغنا أنه لم يعجز عن الخلق الأول؛ لذلك لن يعجز عن البعث.
فقد جاء بنا سبحانه من عدم، وفي البعث سيأتي بنا من موجود، ومن الغباء إذن أن يتشكك أحد في البعث، والمسرف على نفسه إنما ينكر البعث؛ لأنه لا يقدر على ضبط النفس؛ ويظن أنه بإنكار البعث لن يلقى المصير الأسود الذي سيلقاه في الآخرة.
ولذلك تجد المسرفين على أنفسهم يحاولون التشكيك في البعث ويأتي الحق سبحانه بتشكيكهم هذا في قول الحق سبحانه:

{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .. "24"}
(سورة الجاثية)


ولو أن الواحد منهم وضع مسألة البعث في يقينه لانصرف عن شهواته، بينما هو يريد أن ينطلق بالشهوات؛ ولذلك نجدهم يقولون:

{أئذا ضللنا في الأرض .. "10"}
(سورة السجدة)


وهم يقصدون بذلك أنهم بعد الموت سيصيرون تراباً، ويعودون إلى الأرض كعناصر وتراب تذروه الرياح، فكيف سيأتي بهم الله للبعث، وينشئهم من جديد؟ ويقول سبحانه:

{قال من يحيي العظام وهي رميم "78" قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم "79"}
(سورة يس)


ومن الكافرين من قال: سنصير تراباً، ثم نختلط بالتربة، ويتم زراعة هذه التربة، فتمتزج عناصرنا بما تنبته الأرض من فواكه وخضر وأشجار؛ ثم يأكل طفل من الثمرة التي تغذت بعناصرنا؛ فيصير بعض منا في مكونات هذا الطفل؛ والقياس يوضح أننا سوف نتناثر؛ فكيف يأتي بنا الله؟
كل ذلك بطبيعة الحال من وسوسة الشيطان ووحيه:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .. "121"}
(سورة الأنعام)


وأقول: لنفترض أن إنساناً قد مرض؛ وأصابه هزال، وفقد ثلاثين كيلوجراماً من وزنه، وما نزل من هذا الوزن لابد أنه قد ذهب إلى الأرض كعناصر اختلطت بها، ثم جاء طبيب قام بتشخيص الداء وكتب الدواء، وشاء الله لهذا المريض الشفاء واسترد وزنه، وعاد مرة أخرى لحالته الطبيعية؛ فهل الثلاثين كيلو جراماً التي استردها هي هي نفس الكمية بنوعيتها وخصوصيتها التي سبق أن فقدها؟ طبعاً لا.
وهكذا نفهم أن التكوين هو تكوين نسبي للعناصر، كذا من الحديث؛ كذا من الصوديوم؛ كذا من المغنسيوم؛ وهكذا. إذن: فالجزاء في اليوم الآخر عملية عقلية لازمة، يقول الحق:

{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28"}
(سورة البقرة)


مادام هناك أمر؛ وهناك نهي؛ وهناك نهي؛ وهناك منهج واضح يبين كل شيء. وإن كنت تعجب يا محمد من الكفار وما يثيرونه من أقضية، فلك أن تعجب لأنها أمور تستحق العجب. والحق سبحانه حين يخاطب الخلق فهو يخاطبهم إما في أمر يشكون فيه، أو في أمر لا يشك فيه أحد.