13-10-2011, 05:51 AM
|
#314
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الرعد - الآية: 17
| (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال "17") | وهو سبحانه ينزل الماء من جهة العلو وهو السماء، ونعلم أن الماء يتبخر من البحار والأنهار والأرض التي تتفجر فيها العيون ليتجمع كسحاب؛ ثم يتراكم السحاب بعضه على بعض؛ ويمر بمنطقة باردة فيتساقط المطر. ويقول الحق سبحانه:
{أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها .. "17"}
(سورة الرعد)
والوادي هو المنخفض بين الجبلين؛ وساعة ينزل المطر على الجبال فهو يسيل على الأودية؛ وكل وادٍ يستوعب من المياه على اتساعه. ولنا أن نلحظ أن حكمة الله شاءت ذلك كيلا يتحول الماء إلى طوفان، فلو زاد الماء في تلك الأودية لغرقت نتيجة ذلك القرى، ولخربت الزراعات، وتهدمت البيوت.
والمثل على ذلك هو فيضان النيل حين كان يأتي مناسباً في الكمية لحجم المجري؛ وكان مثل هذا القدر من الفيضان هو الذي يسعد أهل مصر؛ أما إذا زاد فهو يمثل خطراً يدهم القرى ويخربها. وهكذا نجد أن من رحمة الحق سبحانه أن الماء يسيل من السماء مطراً على قدر اتساع الأودية؛ اللهم إلا إذا شاء غير ذلك.
والحق سبحانه هنا يريد أن يضرب مثلاً على ما ينفع الناس؛ لذلك جاء بجزئية نزول الماء على قدر اتساع الأودية. ومن رأى مشهد نزول المطر على هذا القدر يمكنه أن يلحظ أن نزول السيل إنما يكنس كل القش والقاذورات؛ فتصنع تلك الزوائد رغوة على سطح الماء الذي يجري في النهر، ثم يندفع الماء إلى المجرى؛ ليزيح تلك الرغاوى جانباً؛ ليسير الماء من بعد ذلك صافياً رقراقاً.
{أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً .. "17"}
(سورة الرعد)
وهذا المثل يدركه أهل البادية؛ لأنها صحراء وجبال ووديان؛ فماذا عن مثل يناسب أهل الحضر؟ ويأتي الحق سبحانه بهذا المثل المناسب لهم؛ فيقول:
{ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبد مثله .. "17"}
(سورة الرعد)
وأنت حين تذهب إلى موقع عمل الحداد أو صائغ الذهب والفضة؛ تجده يوقد النار ليتحول المعدن إلى سائل مصهور؛ ويطفو فوق هذا السائل الزبد وهو الأشياء التي دخلت إلى المعدن، وليست منه في الأصل؛ ويبقى المعدن صافياً من بعد ذلك.
والصانع يضع الذهب في النار ليخلصه من الشوائب؛ ثم يضيف إليه من المواد ما يقوي صلابته؛ أو ينقله من حالة النقاء إلى درجة أقل نقاءً، وحالة النقاء في الذهب هي ما نطلق عليه "عيار 24"، والأقل درجة هو الذهب من "عيار 21"، والأقل من ذلك هو الذهب من "عيار 18". والذهب الخالص النقاء يكون ليناً؛ لذلك يضيفون إليه ما يزيد من صلابته، ويصنع الصائغ من هذا الذهب الحلي.
وهذا هو المثل المناسب لأهل الحضر؛ حين يصنعون الحلي، وهم أيضاً يصنعون أدوات أخرى يستعملونها ويستعملها مثلهم أهل البادية كالسيوف مثلاً، وهي لابد أن تكون من الحديد الصلب؛ ذلك أن كل أداة تصنع منه لها ما يناسبها من الصلابة؛ فإن أراد الحداد أن يصنع سيفاً فلابد أن يختار له من الحديد نوعية تتناسب مع وظائف السيف.
والزبد في الماء النازل من السماء إنما يأتي إليه نتيجة مرور المطر أثناء نزوله على سطح الجبال؛ فضلاً عن غسيل مجرى النهر الذي ينزل فيه؛ وعادة ما يتراكم هذا الزبد على الحواف؛ ليبقى الماء صافياً من بعد ذلك.
وحين تنظر إلى النيل ـ مثلاً ـ فأنت تجد الشوائب، وقد ترسبت على جانبي النهر وحوافه، وكذلك حين تنظر إلى مياه البحر؛ فأنت تجد ما تلقيه المركب، وهو طافٍ فوق الأمواج؛ لتلقيه الأمواج على الشاطئ.
وهكذا ضرب الله المثل لأهل البدو ولأهل الحضر بما يفيدهم في حياتهم؛ سواء حلية يلبسونها، أو أداة يقاتلون بها، أو أداة أخرى يستخدمونها في أوجه أعمالهم الحياتية؛ وهم في كل ذلك يلجئون إلى تصفية المعادن التي يصنعون منها تلك الحلي أو الأدوات الحياتية ليستخلصوا المعادن من الخبث أو الزبد. وكذلك يفعل الحق سبحانه:
{كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .. "17"}
(سورة الرعد)
وحين يضرب الله الحق بالباطل؛ فهو يستخلص ما يفيد الناس؛ ويذهب ما يضرهم، وقوله:
{فيذهب جفاءً .. "17"}
(سورة الرعد)
أي: يبعده؛ فـ"جفاء" يعني "مطروداً"؛ من الجفوة؛ ويقال: "فلان جفا فلاناً" أي: أبعده عنه. ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
{كذلك يضرب الله الأمثال "17"}
(سورة الرعد)
وشاء سبحانه أن يبين لنا بالأمور الحسية؛ ما يساوي الأمور المعنوية؛ كي يعلم الإنسان أن الظلم حين يستشري ويعلو ويطمس الحق، فهو إلى زوال؛ مثله مثل الزبد. |
|
|
|