13-10-2011, 05:53 AM
|
#319
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الرعد - الآية: 22
| (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار "22") | ونجد هذه الآية معطوفة على ما سبقها من صفات أولي الألباب الذين يتذكرون ويعرفون مواطن الحق بعقولهم اهتداءً بالدليل؛ الذين يوفون بالعهد الإيماني بمجرد إيمانهم بالله في كليات العقيدة الوحدانية، ومقتضيات التشريع الذي تأتي به تلك العقيدة.
ولذلك جعلها سبحانه صفقة أوضحها في قوله تعالى:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً .. "111"}
(سورة التوبة)
وهي صفقة إيجاب وقبول، والعهد إيجاب وقبول؛ وهو ميثاق مؤكد بالأدلة الفطرية أولاً، والأدلة العقلية ثانياً.
وهم في هذه الآية من صبروا ابتغاء وجه ربهم، والصبر هو تحمل متاعب تطرأ على النفس الإنسانية لتخريجها عن وقار استقامتها ونعيمها وسعادتها، وكل ما يخرج النفس الإنسانية عن صياغة الانسجام في النفس يحتاج صبراً.
والصبر يحتاج صابراً هو الإنسان المؤمن، ويحتاج مصبوراً عليه؛ والمصبور عليه في الأحداث قد يكون في ذات النفس؛ كأن يصبر الإنسان على مشقة التكليف الذي يقول "افعل" و"لا تفعل".
فالتكليف يأمرك بترك ما تحب، وأن تنفذ بعض ما يصعب عليك، وأن تمتثل بالابتعاد عما ينهاك عنه، وكل هذا يقتضي مجاهدة من النفس، والصبر الذاتي على مشاق التكليف. ولذلك يقول الحق سبحانه عن الصلاة مثلاً:
{إنما أنت منذر ولكل قومٍ هادٍ "45"}
(سورة البقرة)
وهذا صبر الذات على الذات. ولكن هناك صبر آخر؛ صبر منك على شيء يقع من غيرك؛ ويخرجك هذا الشيء عن استقامة نفسك وسعادتها. وهو ينقسم إلى قسمين: قسم تجد فيه غريماً لك؛ وقسم لا تجد فيه غريماً لك. فالمرض الذي يخرج الإنسان عن حيز الاستقامة الصحية ويسبب لك الألم؛ ليس لك فيه غريم؛ لكنك تجد الغريم حين يعتدي عليك إنسان بالضرب مثلاً؛ ويكون هذا الذي يعتدي عليك هو الغريم لك.
وكل صبر له طاقة إيمانية تحتمله؛ فالذي يقدر على شيء ليس فيه غريم؛ يكون صبره معقولاً بعض الشيء؛ لأنه لا يوجد له غريم يهيج مشاعره. أما صبر الإنسان على ألم أوقعه به من يراه أمامه؛ فهذا يحتاج إلى قوة ضبط كبيرة؛ كي لا يهيج الإنسان ويفكر في الانتقام. ولذلك تجد الحق يفصل بين الأمرين؛ يفصل بين شيء أصابك ولا تجد لك غريماً فيه، وشيء أصابك ولك من مثلك غريم فيه. ويقول سبحانه عن الصبر ليس لك غريم فيه.
{واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "17"}
(سورة لقمان)
ويقول عن الصبر الذي لك فيه غريم، ويحتاج إلى كظم الغيظ، وضبط الغضب:
{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور "43"}
(سورة الشورى)
وحينما يريد الحق سبحانه منك أن تصبر؛ فهو لا يطلب ذلك منك وحدك؛ ولكن يطلب من المقابلين لك جميعاً أن يصبروا على إيذائك لهم؛ فكأنه طلب منك أن تصبر على الإيذاء الواقع من الغير عليك؛ وأنت فرد واحد.
وطلب من الغير أيضاً أن يصبر على إيذائك، وهذا هو قمة التأمين الاجتماعي لحياة النفس الإنسانية، فإذا كان سبحانه قد طلب منك أن تصبر على من آذاك؛ فقد طلب من الناس جميعاً أن يصبروا على آذاك لهم.
فإذا بدرت منك بادرة من الأغيار؛ وتخطئ في حق إنسان آخر وتؤلمه؛ فإن لك رصيداً من صبر الآخرين عليك؛ لأن الحق سبحانه طلب من المقابل لك أن يصبر عليك وأن يعفو.
وإذا كان لك غريم؛ فالصبر يحتاج منك إلى ثلاث مراحل: أن تصبر صبراً أولياً بأن تكظم في نفسك؛ ولكن الغيظ يبقى، وإن منعت الحركة النزوعية من التعبير عن هذا الغيظ؛ فلم تضرب ولم تصب؛ ويسمى ذلك:
{الكاظمين الغيظ .. "134"}
(سورة آل عمران)
والكظم مأخوذ من عملية ربط القربة التي نحمل فيها الماء؛ فإن لم نحكم ربطها انسكب منها الماء؛ ويقال "كظم القربة" أي: أحكم ربطها.
ثم يأتي الحق سبحانه بالمرحلة الثانية بعد كظم الغيظ فيقول:
{والعافين عن الناس .. "134"}
(سورة آل عمران) |
|
|
|