13-10-2011, 05:56 AM
|
#328
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الرعد - الآية: 31
| (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد"31") | و (لو) حرف شرط يلزم لها جواب شرط، وقد ترك الحق سبحانه جواب الشرط هنا اعتماداً على يقظة المستمع. وإن كان مثل هذا القول ناقصاً حين ننطق نحن به، فهو ليس كذلك حين يأتي من قول الله سبحانه؛ فهو كامل فيمن تكلم، وقد تركها ليقظة المستمع للقرآن الذي يبتدر المعاني، ويتذكر مع هذه الآية قوله الحق:
{لو أنزلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"7"}
(سورة الأنعام)
وكذلك قول الحق سبحانه:
{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "111"}
(سورة الأنعام)
إذن: من كل نظائر تلك الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نأخذ جواب الشرط المناسب لها من تلك الآيات؛ فيكون المعنى: لو أن قرآناً سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى لما آمنوا.
ويروي أن بعضاً من مشركي قريش مثل: أبي جهل وعبد الله ابن أبي أمية جلسا خلف الكعبة وأرسلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تنفسح، فإنها أرض ضيقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، حتى نغرس ونزرع، فلست ـ كما زعمت ـ بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد سخرت الريح لسليمان بن داود، ولست بأهون على ربك من سليمان، وأحيى لنا قصب جدك، أو من شئت أنت من موتانا نسأله، أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على الله منه، فأنزل الحق سبحانه هذه الآية وما قبلها للرد عليهم.
وكانت تلك كلها مسائل يتلككون بها ليبتعدوا عن الإيمان؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه؛ وجاء القرآن يحمل منهج السماء إلى أن تقول الساعة.
وقد طلبوا أن تبتعد جبال مكة ليكون الوادي فسيحاً؛ ليزرعوا ويحصدوا؛ وطلبوا تقطيع الأرض، أي: فصل بقعة عن بقعة؛ وكان هذا يحدث بحفر جداول من المياه، وقد قال الكافرون:
{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً "90"}
(سورة الإسراء)
والمراد من تقطيع الأرض ـ حسب مطلوبهم ـ أن تقصر المسافة بين مكان وآخر، بحيث يستطيع السائر أن يستريح كل فترة؛ فالمسافر يترك في كل خطوة من خطواته أرضاً؛ ويصل إلى أرض أخرى، وكل يقطع الأرض على حسب قدرته ووسيلة المواصلات التي يستخدمها.
فالمترف يريد أن يكون المسافة كبيرة بين قطعة الأرض والأخرى؛ لأنه يملك الجياد التي يمكن أن يقطع بها المسافة بسهولة، أما من ليس لديه مطية؛ فهو يحب أن تكون المسافات قريبة ليستطيع أن يستريح.
ونلحظ أن ذلك في زماننا المعاصر، فحين زاد الترف صارت السارات تقطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية دون توقف؛ عكس ما كان يحدث قديماً حين كانت السيارات تحتاج إلى راحة ومعها المسافرون بها، فيتوقفون في منتصف الطريق.
ومثل ذلك قد حدث في مملكة سبأ، يقول الحق سبحانه:
{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم .. "19"}
(سورة سبأ)
أي: اجعل المسافة بين مكان وآخر بعيدة، كي يتمتع المسافر القادر بالمناظر الطيبة. ولاحظنا أيضاً تمادي المشركين من قريش في طلب المعجزات الخارقة؛ بأن طلبوا إحياء الموتى في قول الحق سبحانه:
{أو كلم به الموتى .. "31"}
(سورة الرعد)
وبعضهم طلب إحياء قصي بن كلاب الجد الأكبر لرسول الله ولقريش؛ ليسألوه: أحق ما جاء به محمد؟ ولكن القرآن لم يأت لمثل تلك الأمور؛ وحتى لو كان قد جاء بها لما آمنوا. ومهمة القرآن تتركز في أنه منهج خاتم صالح لكل عصر؛ وتلك معجزته.
ويقول سبحانه:
{بل لله الأمر جميعاً .. "31"}
(سورة الرعد)
وكلمة "أمر" تدل على أنه شيء واحد، وكلمة "جميعاً" تدل على متعدد، وهكذا نجد أن تعدد الرسالات والمعجزات إنما يدل على أن كل من أمر تلك الرسالات إنما صدر عن الحق سبحانه؛ وهو الذي اختار كل معجزة لتناسب القوم الذين ينزل فيهم الرسول.
ويتابع سبحانه:
{أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً .. "31"}
(سورة الرعد)
وكلمة "ييأس" يقال إنها هنا بمعنى "يعلم"؛ فهي لغة بلهجة قريش، أي: ألم يعلم الذين آمنوا أن هؤلاء الكفار لم يهتدوا؛ لأن الله لم يشأ هدايتهم. وكان المؤمنون يودون أن يؤمن صناديد قريش كي يخف الجهد عن الفئة المسلمة؛ فلا يضطهدونهم، ولا يضايقونهم في أرزاقهم ولا في عيالهم. |
|
|
|