عرض مشاركة واحدة
قديم 13-10-2011, 06:01 AM   #337
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 40

(وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب "40")
هذه الآية تحدد مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يبلغ منهج الله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إلا أن قول الحق سبحانه في رسوله صلى الله عليه وسلم:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "128"}
(سورة التوبة)


جعله هذا القول متعلقاً بهداية قومه جميعاً، وكان يرجو أن يكون الكل مهتدياً؛ ولذلك يقول الحق سبحانه لرسوله في موقع آخر:

{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "6"}
(سورة الكهف)


أي: أنك لست مسئولاً عن إيمانهم، وعليك ألا تحزن إن لم ينضموا إلى الموكب الإيماني، وكل ما عليك أن تدعوهم وتبلغهم ضرورة الإيمان؛ والحق سبحانه هو الذي سوف يحاسبهم إما في الدنيا بالمحو والإهاب، أو في الآخرة بأن يلقوا عذاب النار.
وحين يقول الحق سبحانه:

{وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب "40"}
(سورة الرعد)


فنحن نعلم أن كل دعوة من دعوات الخير تكبر يوماً بعد يوم؛ ودعوات الشر تبهت يوماً بعد يوم. ومن يدعو إلى الخير يحب ويتشوق أن يرى ثمار دعوته وقد أينعت، ولكن الأمر في بعض دعوات الخير قد يحتاج وقتاً يفوق عمر الداعي.
ولذلك يقول الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك .. "40"}
(سورة الرعد)


أي: اغرس الدعوة، ودع من يقطف الثمرة إلى ما بعد ذلك، وأنت حين تتفرغ للغرس فقط؛ ستجد الخير والثمار تأتي حين يشاء الله؛ سواء شاء ذلك إبان حياتك أو من بعد موتك.
وأنت إذا نظرت إلى الدعوات التي تستقبلها الحياة تجد أن لكل دعوة أنصاراً أو مؤيدين، وأن القائمين على تلك الدعوات قد تعجلوا الثمرة؛ مع أنهم لو تمهلوا ليقطفها من يأتي بعدهم لنجحت تلك الدعوات.
ونحن في الريف نرى الفلاح يغرس؛ ومن خلال غرسه نعرف مراداته، هل يعمل لنفسه، أو يعمل من أجل من يأتي بعده؟
فمن يغرس قمحاً يحصد بسرعة تفوق سرعة من يغرس نخلة أو شجرة من المانجو، حيث لا تثمر النخلة أو شجرة المانجو إلا بعد سنين طويلة، تبلغ سبع سنوات في بعض الأحيان، وهذا يزرع ليؤدي لمن يجئ ما أداه له من ذهب.
ونحن نأكل من تمر زرعه لنا غيرنا ممن ذهبوا، ولكنهم فكروا فيمن سيأتي من بعدهم، ومن يفعل ذلك لابد وأن يكون عنده سعة في الأرض التي يزرعها؛ لأن من لا يملك سعة من الأرض فهو يفكر فقط فيمن يعول وفي نفسه فقط؛ لذلك يزرع على قدر ما يمكن أن تعطيه الأرض الآن.
أما من يملك سعة من الأرض وسعة في النفس؛ فهو من وضع في قلبه مسئولية الاهتمام بمن سيأتون بعده. وأن يرد الجميل الذي أسداه له من سبقوه، بأن يزرع لغيره ممن سيأتون من بعده.
ودعوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ شهدت له بأنه لم يبحث لنفسه عن ثمرة عاجلة؛ بل نجد الدعوة وهي تقابل الصعاب تلو الصعاب، ويلقي صلى الله عليه وسلم ما تلقى من العنت والإرهاق والجهد؛ بعد أن جهر بالدعوة في عشيرته الأقربين.
ثم ظلت الدعوة تتسع في بعض العشائر والبطون إلى أن دالت عاصمة الكفر؛ وصارت مكة بيت الله الحرام كما شاء الله، وأسلمت الجزيرة كلها لمنهج الله، وأرسل صلى الله عليه وسلم الكتب إلى الملوك والقياصرة،

<وكلها تتضمن قوله صلى الله عليه وسلم "أسلم تسلم">

ودلت هذه الكتب على أن الدعوة الإسلامية هي دعوة ممتدة لكل الناس؛ تطبيقاً لما قاله الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه: "رسول للناس كافة".
قال تعالى:

{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً .. "28"}
(سورة سبأ)


وفهم الناس الفارق بين رسالته صلى الله عليه وسلم وبين كافة الرسالات السابقة، فإلى قوم عاد أرسل هوداً عليه السلام. يقول الحق سبحانه:

{وإلى عادٍ أخاهم هوداً .. "65"}
(سورة الأعراف)