عرض مشاركة واحدة
قديم 13-10-2011, 06:04 AM   #342
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 2

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2")
و"رب" حرف يستعمل للتقليل، ويستعمل أيضاً للتكثير على حسب ما يأتي من بعده، وهو حرف الأصل فيه أن يدخل على المفرد. ونحن نقول "رب أخ لك لم تلده أمك" وذلك للتقليل، مثلما نقول "ربما ينجح الكسول".
ولكن لو قلنا "ربما ينجح الذكي" فهذا للتكثير، وفي هذا استعمال للشيء في نقيضه، إيقاظاً للعقل كي ينتبه. وهنا جاء الحق سبحانه:
بـ"رب" ومعها حرف "ما" ومن بعدهما فعل. ومن العيب أن تقول: إن "ما" هنا زائدة؛ ذلك أن المتكلم هو رب كل العباد. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)


فهل سيأتي وقت يتمنى فيه أهل الكفر أن يسلموا؟ إن "يود" تعني"يحب" و"يميل" و"يتمنى"، وكل شيء تميل إليه وتتمناه يسمى "طلب".
ويقال في اللغة: إن طلبت أمراً يمكن أن يتحقق، ويمكن ألا يتحقق؛ فإن قلت: "يا ليت الشباب يعود يوماً" فهذا طلب لا يمكن أن يتحقق؛ لذلك يقال إنه "تمنى". وإن قلت "لعلي أزور فلاناً" فهذا يسمى رجاء؛ لأنه من الممكن أن تزور فلاناً. وقد تقول: "كم عندك؟" بهدف أن تعرف الصورة الذهنية لمن يجلس إليه من تسأله هذا السؤال، وهذا يسمى استفهاماً.
وهكذا إن كنت قد طلبت عزيزاً لا ينال فهو تمن؛ وإن كنت قد طلبت ما يمكن أن ينال فهو الترجي، وإن كنت قد طلبت صورته لا حقيقته فهو استفهام، ولكن إن طلبت حقيقة الشيء؛ فأنت تطلبه كي لا تفعل الفعل.
والطلب هنا في هذه الآية؛ يقول:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)


فهل يتأتى هذا الطلب؟
ولنر متى يودون ذلك. إن ذلك التمني سوف يحدث إن وقعت لهم أحداث تنزع منهم العناد؛ فيأخذون المسائل بالمقاييس الحقيقية.
والحق سبحانه هو القائل:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .."14"}
(سورة النمل)


وقد حدث لهم حين وقعت غزوة بدر، ونال منهم المسلمون الغنائم أن قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، وأخذنا تلك الغنائم.
أي: أن هذا التمني قد حدث في الدنيا، ولسوف يحدث هذا عند موت أحدهم. يقول الحق سبحانه:

{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون "99" لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. "100"}
(سورة المؤمنون)


ويعلق الحق سبحانه على هذا القول:

{كلا إنها كلمة هو قائلها .. "100"}
(سورة المؤمنون)


وسيتمنون أيضاً أن يكونوا مسلمين، مصداقاً لقول الحق سبحانه:

{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون "12"}
(سورة السجدة)


إذن: فسيأتي وقت يتمنى فيه الكفار أن يكونوا مسلمين، إذا ما عاينوا شيئاً ينزع منهم جحودهم وعنادهم، ويقول لهم: إن الحياة التي كنتم تتمسكون بها فانية؛ ولكنكم تطلبون أن تكونوا مسلمين وقت أن زال التكليف، وقد فات الأوان.
ويكفي المسلمين فخراً أن كانوا على دين الله، واستمسكوا بالتكليف، ويكفيكم عاراً أن خسرتم هذا الخسران المبين، وتتحسروا على أنكم لم تكونوا مسلمين.
وفي اليوم الآخر يعذب الحق سبحانه العصاة من المسلمين الذين لم يتوبوا من ذنوبهم، ولم يستغفروا الحق سبحانه، أو ممن لم يغفر لهم سبحانه وتعالى ذنوبهم؛ لعدم إخلاص النية وحسن الطوية عند الاستغفار، ويدخل في ذلك أهل النفاق مصداقاً لقوله تعالى:

{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم .. "80"}
(سورة التوبة)


فيدخلون النار ليأخذوا قدراً من العذاب على قدر ما عصوا وينظر لهم الكفار قائلين: ما أغنت عنكم لا إله إلا الله شيئاً، فأنتم معنا في النار. ويطلع الحق سبحانه على ذلك فيغار على كل من قال لا إله إلا الله؛ فيقول: أخرجوهم وطهروهم وعودوا بهم إلى الجنة، وحينئذ يقول الكافرون: يا ليتنا كنا مسلمين، لنخرج من النار، ونلحق بأهل الجنة.