14-10-2011, 09:30 AM
|
#437
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الحجر - الآية: 99
| (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "99") | ونعرف أن العبادة هي إطاعة العابد لأوامر المعبود إيجاباً أو سلباً، وتطبيق "افعل" و"لا تفعل"، وكثير من الناس يظنون أن العبادة هي الأمور الظاهرية في الأركان الخمسة من شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة؛ وإيتاء الزكاة؛ وصوم رمضان؛ وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. ونقول: لا، فهذه هي الأسس التي تقوم عليها العبادة. أي: أنها البنية التي تقوم عليها بقية العبادة، وهكذا تصبح العبادة هي، كل ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، أي: أن حركة الحياة كلها ـ حتى كنس الشوارع، وإماطة الأذى عن الطريق ـ هي عبادة، كل ما يقصد به نفع الناس عبادة، كي لا يصبح المسلمون عالة على غيرهم.
وفي إقامة الأركان إظهار لقوة المسلمين، حين يظهرون كامل الولاء لله بإقامة الصلاة خمس مرات في اليوم الواحد، فيترك المسلم عمله فور أن يسمع النداء بـ"الله أكبر" فيخرج المسلم من صراعات الحياة، ويعلن الولاء للخالق المنعم. وحين يصوم المسلم شهراً في السنة؛ فهو يعلن الولاء للخالق الأكرم، ويصوم عن أشياء كثيرة كانت مباحة؛ وأول ما يأتي موعد الإمساك من قبل صلاة الفجر بقليل؛ فهو يمتنع فوراً. وهذا الامتثال لأوامر الحق سبحانه يذكرك بنعمه عليك؛ فأنت في يومك العادي لا تقرب المحرمات التي أخذت وقتاً أثناء بدايات الدين إلي أن امتنع عنها المسلمون، فلا أحد من المسلمين يفكر في شرب الخمر؛ ولا أحد منهم يفكر في لعب الميسر، وانطبعت تلك الأمور؛ وصارت عادة سلوكية في إلف ورتابة عند غالبية المسلمين ممن ينفذون شريعة الله ويطبقون "افعل" و"لا تفعل".
وعندما يأتي الصوم فأنت تمتنع عن أشياء هي حلال لك طوال العالم، وتقضي أي نهار في رمضان ونفسك تستشرف سماع أذان المغرب لتفطر. وهكذا تمتثل للأمر بالامتناع والإمساك والأمر بالإفطار، وذلك ليعودك على الكثير من الطاعات التي تصير عند المؤمنين عادة؛ وسبحانه يريد أن يديك عليك لذة التكليف العبادي. وبعض من الناس يذهبون مذاهب الخطأ عندما يفسرون بأهوائهم قوله الحق:
{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "99"}
(سورة الحجر)
ويقول الواحد من هؤلاء مخادعاً الغير "لقد وصلت إلي مرتبة اليقين"، ويمتنع عن أداء الفروض من صلاة وصوم وزكاة وحج إلي بيت الله الحرام رغم استطاعته، ويدعي أن التكليف قد سقط عنه؛ لأن اليقين قد وصله. ونقول لمن يدعي ذلك: أتخادع الله ورسوله؟ كلنا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يؤدي الفرائض حتى آخر يوم في حياته. وكلنا يعلم أن اليقين المتفق عليه والمتيقن من كل البشر، ولا خلاف عليه أبداً هو الموت. أما اليقين بالغيبيات فهو من خصوصيات المؤمن؛ فما أن بلغه أمرها من القرآن فقد صدقها، ولم يسأل كيف يتأتى أمرها. والمثل الواضح هو أبو بكر الصديق حينما كانوا يحدثونه بالأمر الغريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول "مادام قد قال فقد صدق".
أما الكافر ـ والعياذ بالله ـ فهو يشك في كل شيء غيبي أو حتى مادي ما لم يكن محسوساً لديه، ولكن ما أن يأتيه الموت حتى يعلم أنه اليقين الوحيد. ولذلك نجد عمر بن عبد العزيز يقول: "ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت". وكلنا نتيقن أننا سوف نموت؛ لكنا نزحزح مسألة اليقين هذه بعيداً عنا رغم أنها واقعة لا محالة. فإذا ما جاء الموت، نقول: هاهي اللحظة التي لا ينفع فيها شيء إلا عمل الإنسان إن كان مؤمناً مؤدياً لحقوق الله. ولذلك أقول دائماً: إن اليقين هو تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلي الذهن ليناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تبلغك به.
أما عين اليقين؛ فهي التي ترى الحدث فتتيقنه، أو هو أمر حقيقي يدخل إلي قلبك فتصدقه، وهكذا يكون لليقين مراحل: أمر تصدقه تصديقاً جازماً فلا يطفو إلي الذهن ليناقش من جديد، وله مصادر علم ممن تثق بصدقه، أو: إجماع من أناس لا يجتمعون على الكذب أبداً؛ وهذا هو "علم اليقين"؛ فإن رأيت الأمر بعينيك فهذا هو حق اليقين. والمؤمن يرتب تصديقه وتيقنه على ما بلغه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهاهو الإمام علي ـ كرم الله وجهه وأرضاه ـ يقول: "ولو أن الحجاب قد انكشف عن الأمور التي حدثنا بها رسول الله غيباً ما ازددت يقيناً". وهاهو سيدنا حارثة ـ رضي الله عنه ـ يقول: "كأني انظر إلي أهل الجنة في الجنة ينعمون، وإلي أهل النار يعذبون فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفت فالزم". وذلك هو اليقين كما آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
|
|
|