عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2011, 09:27 AM   #439
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 2

(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون "2")
وساعة نقرأ قوله (ينزل) فالكلمة توحي وتوضح أن هناك علواً يمكن أن ينزل منه شيء على أسفل. والمثل الذي احب أن أضربه هنا لأوضح هذا الأمر هو قول الحق سبحانه:

{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم .. "151"}
(سورة الأنعام)


أي: أقبلوا لتسمعوا مني التكليف الذي نزل لكم ممن هو أعلى منكم، ولا تظلوا في حضيض الأرض وتشريعاتها، بل تساموا وخذوا الأمر ممن لا هوى له في أموركم، وهو الحق الأعلى. أما من ينزلون فهم الملائكة، ونعلم أن الملائكة خلق غيبي آمنا به؛ لأن الله سبحانه قد أخبرنا بوجودهم. وكل ما غاب عن الذهن ودليله السماع ممن تثق بصدقه، وقد أبلغنا صلى الله عليه وسلم ما نزل به القرآن وأنبأنا بوجود الملائكة، وأن الحق سبحانه قد خلقهم؛ ورغم أننا لا نراهم إلا أننا نصدق ما جاء به البلاغ عن الحق من الصادق الصدوق محمد صلى الله عليه وسلم. وحين يقول الحق سبحانه:

{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده .. "2"}
(سورة النحل)


فنحن نعلم أنه لا يمكن أن ينزل شيء من أعلى إلي الأدنى إلا بواسطة المقربات. وقد اختار الحق سبحانه ملكا من الملائكة ليبلغ رسله بالوحي من الله، والملائكة كما أخبرنا الحق سبحانه:

{عباد مكرمون "26" لا يسبقونه القول وهم بأمره يعملون "27"}
(سورة الأنبياء)


ويقول في آية أخرى:

{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6" }
(سورة التحريم)


وهم من نور، ولا تصيبهم الأغيار، ولا شهوة لهم فلا يتناكحون ولا يتناسلون؛ وهم أقرب إلي الصفاء. وهم من يمكنهم التلقي من الأعلى ويبلغون الأدنى. ولذلك نجد الحق سبحانه يقول عن القرآن:

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


وهنا يقول الحق سبحانه:

{ينزل الملائكة .. "2"}
(سورة النحل)


والآية الإجمالية التي تشرح ذلك هو قول الحق سبحانه:

{الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير "75"}
(سورة الحج)


أي: أنه سبحانه يختار ملائكة قادرين على التلقي منه ليعطوا المصطفين من الناس؛ ليبلغ هؤلاء المصطفين عن الله لبقية الناس. ذلك أن العلويات العالية لا يملك الكائن الأدنى طاقة ليتحمل ما تتنزل به الأمور العلوية مباشرة من الحق سبحانه. وسبق أن شبهت ذلك بالمحول الذي نستخدمه في الكهرباء لينقل من الطاقة العالية إلي الأدنى من المصابيح، وكلنا يعلم ما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم حين تلقى الوحي عبر جبريل عليه السلام "فضمني حتى بلغ مني الجهد" وتفصد جبينه الطاهر عرقاً، وعاد إلي بيته ليقول "زملوني زملوني" و"دثروني دثروني".
ذلك أن طاقة علوية نزلت على طاقة بشرية، على الرغم من أن طاقة رسول الله هي طاقة مصطفاة. ثم يألف الرسول الوحي وتخف عنه مثل تلك الأعباء، وينزل عليه قوله الحق:

{ألم نشرح لك صدرك "1" ووضعنا عنك وزرك "2" الذي أنقض ظهرك "3" ورفعنا لك ذكرك "4" فإن مع العسر يسرا "5" إن مع العسر يسرا "6"}
(سورة الشرح)


ثم يفتر الوحي لبعض من الوقت لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشتاق إليه، فلماذا اشتاق للوحي وهو من قال "دثروني دثروني"؟ لقد كان فتور الوحي بسبب أن يتعود محمد صلى الله عليه وسلم على متاعب نزول الملك؛ فتزول متاعب الالتقاء وتبقى حلاوة ما يبلغ به. وقال بعض من الأغبياء: "إن رب محمد قد قلاه". فينزل قوله سبحانه:

{ما ودعك ربك وما قلى"3" وللآخرة خير لك من الأولى"4"ولسوف يعطيك ربك فترضى"5"}
(سورة الضحى)


وكلمة الروح وردت في القرآن بمعانٍ متعددة، فهي مرة الروح التي بها الحياة في المادة ليحدث بها الحس والحركة:

{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "29"}
(سورة الحجر)