عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2011, 09:35 AM   #465
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 28

(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون"28")
يقول تعالى:

{الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم .. "28"}
(سورة النحل)


أي: تتوفاهم في حالة كونهم ظالمين لأنفسهم، وفي آية أخرى قال الحق تبارك وتعالى:

{وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "118"}
(سورة النحل)


ومعلوم أن الإنسان قد يظلم غيره لحظ نفسه ولصالحها .. فكيف يظلم هو نفسه، وهذا يسمونه الظلم الأحمق حين تظلم نفسك التي بين جنبيك .. ولكن كيف ذلك؟
نعرف أن العدو إذا كان من الخارج فسهل التصدي له، بخلاف إذا جاءك من نفسك التي بين جنبيك، فهذا عدو خطير صعب التصدي له، والتخلص منه.
وهنا نطرح سؤالاً: ما الظلم؟ الظلم أن تمنع صاحب حق حقه، إذن: ماذا كان لنفسك عليك حتى يقال: إنك ظلمتها بمنعها حقها؟. نقول: حين تجوع، ألا تأكل؟ وحين تعطش ألا تشرب؟ وحين ترهق من العمل ألا تنام؟
إذن: أنت تعطي نفسك مطلوباتها التي تريحها وتسارع إليها، وكذلك إذا نمت وحاولوا إيقاظك للعمل فلم تستيقظ، أو حاولوا إيقاظك للصلاة فتكاسلت، وفي النهاية كانت النتيجة فشلاً في العمل أو خسارة في التجارة .. الخ.
إذن: هذه خسارة مجمعة، والخاسر هو النفس، وبهذا فقد ظلم الإنسان نفسه بما فاتها من منافع في الدنيا، وقس على ذلك أمور الآخرة.
وانظر هنا إلى جزئيات الدنيا حينما تكتمل لك، هل هي نهاية كل شيء، أم بنهايتها يبتدئ شيء؟ بنهايتها يبتدئ شيء، ونسأل: الشيء الذي سوف يبدأ، هل هو صورة مكررة لما انتهى في الدنيا؟
ليس كذلك، لأن المنتهى في الدنيا منقطع، وقد أخذت حظي منه على قدر قدراتي، وقدراتي لها إمكانات محدودة .. أما الذي سيبدأ ـ أي في الآخرة ـ ليس بمنتهٍ بل خالد لا انقطاع له، وما فيه من نعيم يأتي على قدر إمكانات المنعم ربك سبحانه وتعالى.
إذن: أنت حينما تعطي نفسك متعة في الدنيا الزائلة المنقطعة تفوت عليها المتعة الباقية في الآخرة .. وهذا منتهى الظلم للنفس. ونعود إلى قوله تعالى:

{الذين تتوفاهم الملائكة .. "28"}
(سورة النحل)


أثبتت هذه الآية التوفي للملائكة .. والتوفي حقيقة لله تعالى، كما جاء في قوله:

{الله يتوفى الأنفس .. "42"}
(سورة الزمر)


لكن لما كان الملائكة مأمورين، فكأن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس رغم أنه سبحانه وتعالى قال:

{الله يتوفى الأنفس .. "42"}
(سورة الزمر)


وقال:

{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون "11"}
(سورة السجدة)


وقال:

{توفته رسلنا .. "61"}
(سورة الأنعام)


إذن: جاء الحديث من الله تعالى مرة، ومن رئيس الملائكة عزرائيل مرة، ومن مساعديه من الملائكة مرة أخرى، إذن: الأمر إما للمزاولة مباشرة، وإما للواسطة، وإما للأصل الآمر. وقوله تعالى:

{تتوفاهم .. "28"}
(سورة النحل)


معنى التوفي من وفاه حقه أي: وفاه أجله، ولم ينقص منه شيئاً، كما تقول للرجل وفيتك دينك .. أي: أخذت ما لك عندي.

{ظالمي أنفسهم .. "28"}
(سورة النحل)


نلاحظ أنها جاءت بصيغة الجمع، و(ظالمي) يعني ظالمين و(أنفسهم) جمع، وحين يقابل الجمع تقتضي القسمة آحاداً أي: أن كلاً منهم يظلم نفسه. ثم يقول الحق سبحانه:

{فألقوا السلم .. "28"}
(سورة النحل)


أي: خضعوا واستسلموا ولم يعد ينفعهم تكبرهم وعجرفتهم في الدنيا .. ذهب عنهم كل هذا بذهاب الدنيا التي راحت من بين أيديهم. وماداموا ألقوا السلم الآن، إذن: فقد كانوا في حرب قبل ذلك كانوا في حرب مع أنفسهم وهم أصحاب الشقاق في قوله تعالى:

{تشاقون .. "27"}
(سورة النحل)