عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2011, 09:41 AM   #483
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 46

(أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين "46")
التقلب: الانتقال من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان، والانتقال من مكان الإقامة إلى مكان آخر دليل القوة والمقدرة، حيث ينتقل الإنسان من مكانه حاملاً متاعه وعتاده وجميع ما يملك؛ لينشئ له حركة حياة جديدة في مكانه الجديد.
إذن: التقلب في الحياة مظهر من مظاهر القوة، بحيث يستطيع أن يقيم حياة جديدة، ويحفظ ماله في رحلة تقلبه .. ولا شك أن هذا مظهر من مظاهر العزة والجاه والثراء لا يقوم به إلا القوي.
ولذلك نرى في قول الحق تبارك وتعالى عن أهل سبأ:

{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "18" فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا .. "19"}
(سورة سبأ)


فهؤلاء قوم جمع الله لهم ألواناً شتى من النعيم، وأمن بلادهم وأسفارهم، وجعل لهم محطات للراحة أثناء سفرهم، ولكنهم للعجب طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم، كأنهم أرادوا أن يتميزوا عن الضعفاء غير القادرين على مشقة السفر والترحال، فقالوا:

{باعد بين أسفارنا .. "19"}
(سورة سبأ)


حتى لا يقدر الضعفاء منهم على خوض هذه المسافات.
إذن: الذي ينقلب في الأرض دليل على أن له من الحال حال إقامة وحال ظعن وقدرة على أن ينقل ما لديه ليقيم به في مكان آخر؛ ولذلك قالوا: المال في الغربة وطن .. ومن كان قادراً يفعل ما يريد.
والحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد "196"}
(سورة آل عمران)


فلا يخيفنك انتقالهم بين رحلتي الشتاء والصيف، فالله تعالى قادر أن يأخذهم في تقلبهم. وقد يراد تقلبهم في الأفكار والمكر السيئ بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كما في قوله تعالى:

{لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور .. "48"}
(سورة التوبة)


فقد قعدوا يخططون ويمكرون ويدبرون للقضاء على الدعوة في مهدها. ويقول تعالى:

{فما هم بمعجزين "46"}
(سورة النحل)


المعجز: هو الذي لا يمكنك من أن تغلبه، وهؤلاء لن يعجزوا الله تعالى، ولن يستطيعوا الإفلات من عذابه؛ لأنهم مهما بيتوا فتبييتهم وكيدهم عند الله .. أما كيد الله إذا أراد أن يكيد لهم فلن يشعروا به:

{ويمكرون ويمكر الله .. "30"}
(سورة الأنفال)


وقال:

{إنهم يكيدون كيدا "15" وأكيد كيدا "16" فمهل الكافرين أمهلهم رويدا "17"}
(سورة الطارق)


فمن لا يستطيع أن يغلبك يخضع لك، ومادام يخضع لك يسيطر عليه المنهج الذي جئت به. وقد يكون العجز أمام القوى دليل قوة، كما عجز العرب أمام تحدي القرآن لهم، فكان عجزهم أمام كتاب الله دليل قوتهم في المجال الذي تحداهم القرآن فيه؛ لأن الله تعالى حين يتحدى وحين ينازل لا ينازل الضعيف، لا بل ينازل القوي في مجال هذا التحدي.