عرض مشاركة واحدة
قديم 15-10-2011, 09:42 AM   #487
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 50

(يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون "50")
ما هو الخوف؟ الخوف هو الفزع والوجل، والخوف والفزع والوجل لا يكون إلا من ترقب شيء من أعلى منك لا تقدر أنت على رفعه، ولو أمكنك رفعه لما كان هناك داعٍ للخوف منه؛ لذلك فالأمور التي تدخل في مقدوراتك لا تخاف منها، تقول: إن حصل كذا افعل كذا .. الخ:
وإذا كان الملائكة الكرام:

{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6"}
(سورة التحريم)


فما داعي الخوف إذن؟ نقول: إن الخوف قد يكون من تقصير حدث منك تخاف عاقبته، وقد يكون الخوف عن مهابة للمخوف وإجلاله وتعظيمه دون ذنب ودون تقصير، ولذلك نجد الشاعر العربي يقول في تبرير هذا الخوف:
أهابك إجلالاً وما بك قدرة على ولن ملء عينٍ حبيبها
إذن: مرة يأتي الخوف لتوقع أذى لتقصير منك، ومرة يأتي لمجرد المهابة والإجلال والتعظيم. وقوله تعالى:

{من فوقهم .. "50"}
(سورة النحل)


ما المراد بالفوقية هنا؟ نحن نعرف أن الجهات ست: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وأمام، وخلف .. جهة الفوقية لتكون هي المسيطرة؛ ولذلك حتى في بناء الحصون يشيدونها على الأماكن العالية لتتحكم بعلوها في متابعة جميع الجهات.
إذن: فالفوقية هي محل العلو، وهذه الفوقية قد تكون فوقية مكان، أو فوقية مكانة.
فالذي يقول: إنها فوقية مكان، يرى أن الله في السماء، بدليل أن الجارية التي سئلت: أين الله؟ أشارت إلى السماء، وقالت: في السماء.
فأشارت إلى جهة العلو؛ لأنه لا يصح أن نقول: إن الله تحت، فالله سبحانه منزه عن المكان، وما نزه عن المكان نزه عن الزمان، فالله عز وجل منزه عن أن تحيزه، لا بمكان ولا بزمان؛ لأن المكان والزمان به خلقاً .. فمن الذي خلق الزمان والمكان؟
إذن: ما داما به خلقاً فهو سبحانه منزه عن الزمان والمكان.
وهم قالوا بأن الفوقية هنا فوقية حقيقة .. فوقية مكان، أي: أنه تعالى أعلى منا .. ونقول لمن يقول بهذه الفوقية: الله أعلى منا .. من أن ناحية؟ من هذه أم من هذه؟
إذن: الفوقية هنا فوقية مكانة، بدليل أننا نرى الحرس الذين يحرسون القصور ويحرسون الحصون يكون الحارس أعلى من المحروس .. فوقه، فهو فوقه مكاناً، إنما هل هو فوقه مكانة؟ بالطبع لا. وقوله تعالى:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


وهذه هي الطاعة، وهي أن تفعل ما أمرت به، وأن تجتنب ما نهيت عنه، ولكن الآية هنا ذكرت جانباً واحداً من الطاعة، وهو:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


ولم تقل الآية مثلاً: ويجتنبون ما ينهون عنه، لماذا؟ .. نقول: لأن في الآية ما يسمونه بالتلازم المنطقي، والمراد بالتلازم المنطقي أن كل نهي عن شيء فيه أمر بما يقابله، فكل نهي يؤول إلى أمر بمقابله.
فقوله سبحانه:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


تستلزم منطقياً "ويجتنبون ما ينهون عنه" وكأن الآية جمعت الجانبين. والحق سبحانه وتعالى خلق الملائكة لا عمل لهم إلا أنهم هيموا في ذات الله، ومنهم ملائكة موكلون بالخلق، وهم:

{فالمدبرات أمراً "5"}
(سورة النازعات)


ويقول تعالى:

{له معقبات من بين يديه ومن خلقه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


ومنهم:

{وإن عليكم لحافظين "10" كراماً كاتبين "11"}
(سورة الانفطار)


إذن: فهناك ملائكة لها علاقة بنا، وهم الذين أمرهم الحق سبحانه أن يسجدوا لآدم حينما خلقه الله، وصوره بيده، ونفخ فيه من روحه .. وكأن الله سبحانه يقول لهم: هذا هو الإنسان الذي ستكونون في خدمته، فالسجود له بأمر الله إعلان بأنهم يحفظونه من أمر الله، ويكتبون له كذا، ويعملون له كذا، ويدبرون له الأمور .. الخ.
أما الملائكة الذين لا علاقة لهم بالإنسان، ولا يدرون به، ولا يعرفون عنه شيئاً، هؤلاء المعنيون في قوله سبحانه لإبليس:

{أستكبرت أم كنت من العالين "75"}
(سورة ص)


أي: أستكبرت أن تسجد؟ أم كنت من الصنف الملكي العالمي؟ .. هذا الصنف من الملائكة ليس لهم علاقة بالإنسان، وكل مهمتهم التسبيح والذكر، وهم المعنيون بقوله تعالى:

{يسبحون الليل والنهار لا يفترون "20"}
(سورة الأنبياء)