عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-2011, 02:54 PM   #517
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 81

(والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "81")
بعد أن تكلم الحق سبحانه عن أصحاب البيوت الذين يناسبهم الاستقرار، ويجدون مقومات الحياة، وتكلم عن أهل الترحال والتنقل وما يناسبهم من بيوت خفيفة يحملونها عند ترحالهم. ثم تحدث هنا عن هؤلاء الذين لا يملكون شيئاً، ولا حتى جلود الأنعام .. ماذا يفعل هؤلاء؟
الحق سبحانه جعل لهم الظل يستظلون به من وهج الشمس، وجعل لهم من الكهوف والسراديب في الجبال ما يأوون إليه ويسكنون فيه. وهكذا استوعبت الآيات جميع الحالات التي يمكن أن يكون عليها بشر، فقد نثر الحق سبحانه نعمه على الناس، بحيث يأخذ كل واحد منهم ما يناسبه من نعم الله.
أما من لا يملك بيتاً يأويه، وليس عنده من الأنعام ما يتخذ من جلودها بيتاً، فقد جعل الله له الأشجار يستظل بها من حر الشمس، وجعل له كهوف الجبال تكنه وتأويه.
ونلاحظ هنا أن الآية ذكرت الظل الذي يقينا حر الشمس، ولم تذكر مثلاً البرد؛ ذلك لأن القرآن الكريم نزل بجزيرة العرب وهي بلاد حارة، وحاجتها إلى الظل أكثر من حاجتها إلى الدفء. وقوله:

{ظلالاً .. "81"}
(سورة النحل)


الظلال جمع ظل، وهو الواقي من الشمس ومن إشعاعاتها، وقد يوصف الظل بأنه ظل ظليل .. أي: الظل نفسه مظلل، وهذا ما نراه في صناعة الخيام مثلاً، حيث يجعلونه لها سقفاً من طبقة واحدة تتلقى حرارة الشمس، وإن حجبت أشعة الشمس فلا تحجب الحرارة، وهنا يلجأون إلى جعل السقف من طبقتين بينهما مسافة لتقليل حرارة الشمس.
وهنا نقول: إن الظل نفسه مظلل، وكذلك الحال في ظل الأشجار حيث يظلل الورق بعضه بعضاً، فتشعر تحت ظل الأشجار بجو لطيف بارد حيث يغطيك ظل ظليل يحجب عنك ضوء الشمس، ويسمح بمرور الهواء فلا تشعر بالضيق.
لذلك فالشاعر يقول في وصف روضة:

وقانا لفحة الرمضاء وداٍ يصد الشمس أني واجهتنا سقاه مضاعف الغيث العميم فيحجبها ويأذن للنسيم
وقوله:

{أكناناً .. "81"}
(سورة النحل)


جمع كن، وهو الكهف أو المغارة في الجبل تكون سكناً وساتراً لمن يلجأ إليها ويحتمي بها، والكن من الستر؛ لأنها تستر الناس ونحن نقول مثلاً للولد: انكن يعني: اسكن وانستر.
ويقول تعالى:

{وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم .. "81"}
(سورة النحل)


السرابيل: هي ما يلبس من الثياب أو الدروع:

{تقيكم الحر .. "81"}
(سورة النحل)


أي: تحميكم من الحر .. فقال هنا الحر أيضاً؛ لذلك وجدنا بعض العلماء يحاول أن يجد مخرجاً لهذه الآية فقال: المعنى تقيكم الحر وتقيكم البرد، ففي الآية اكتفاء بالحر عن البرد؛ لأن الشيء إذا جاء يأتي مقابله .. فليس بالضرورة ذكر الحالتين، فإحداهما تعني الأخرى.
هذا دفاع مشكور منهم، ومعنى مقبول حول هذه الآية .. لكن لو فطنا إلى باقي الآيات التي تحدثت في هذا الموضوع لوجدناها: واحدة تتكلم عن الحر، وهي هذه الآية، وأخرى تتكلم عن البرد في قوله تعالى:

{والأنعام خلقها لكم فيها دفء .. "5"}
(سورة النحل)


أي: من جلود الأنعام وأصوافها نتخذ ما يقينا البرد، وما نستدفئ به .. وهكذا تتكامل الآيات وينسجم المعنى.
والمتأمل في تدفئة الإنسان يجد أن ما يرتديه من ملبوسات لا يعطي للإنسان حرارة تدفئه، بل تحفظ للإنسان حرارة جسمه فقط، فحرارة الإنسان ذاتية من داخله، وبهذه الحرارة يحفظ الخالق سبحانه الإنسان.
والأطباء يقولون: إن الجسم السليم حرارته 37 درجة لا تختلف إن عاش عند خط الاستواء أو عاش في بلاد الاسكيمو في القطب الشمالي، فهذه هي الحرارة العامة للجسم.
في حين أن أجهزة الجسم المختلفة ربما اختلفت درجة حرارتها، كل حسب ما يناسبه: فالكبد مثلاً درجة حرارته 40 درجة، وتختل وظيفته إذا نقصت عن هذه الدرجة، في حين أن درجة حرارة جفن العين مثلاً 9 درجة، ولو ارتفعت درجة حرارتها تذوب حبة العين، ويفقد الإنسان البصر .. فسبحان الله الذي حفظ حرارة هذه الأعضاء في الجسم لا يطغى أحدها على الآخر.
لذلك حينما سافرنا إلى أمريكا، وفي إحدى مناطق البرودة الشديدة كانت أول نصائحهم لنا ألا نمسك آذاننا بأيدينا .. لماذا؟ قالوا: لأن درجة حرارة اليد أقل من درجة حرارة الأذن، ووضع اليد الباردة على الأذن قد تسبب كثيراً من الأضرار.
إذن: كل ما نستخدمه من ملابس وأعطية تقينا برد الشتاء لا تعطينا حرارة، بل تحفظ علينا حرارتنا الطبيعية فلا تتسرب، وبذلك تتم التدفئة .. وتستطيع أن تضع يدك على فراشك قبل أن تنام فسوف تجده بارداً، أما في الصباح فتجده دافئاً .. فالفراش اكتسب الحرارة من حرارة جسمك، وليس العكس