عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-2011, 03:00 PM   #526
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 90

(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90")
للحق تبارك وتعالى في هذه الآية ثلاثة أوامر: العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى. وثلاثة نواه: عن الفحشاء والمنكر والبغي. ولما نزلت هذه الآية قال ابن مسعود: أجمع آيات القرآن للخير هذه الآية لأنها جمعت كل الفضائل التي يمكن أن تكون في القرآن الكريم.
ولذلك سيدنا عثمان بن مظعون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب له أن يسلم، وكان يعرض عليه الإسلام دائماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب عرض الإسلام على أحد إلا إذا كان يرى فيه مخايل وشيماً تحسن في الإسلام.
وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضن بهذه المخايل أن تكون في غير مسلم، لذلك كان حريصاً على إسلامه وكثيراً ما يعرضه عليه، إلا أن سيدنا عثمان بن مظعون تريث في الأمر، إلى أن جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلس، فرآه رفع بصره إلى السماء ثم تنبه، فقال له ابن مظعون: ما حدث يا رسول الله؟ فقال: إن جبريل ـ عليه السلام ـ قد نزل علي الساعة بقول الله تعالى:

{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90"}
(سورة النحل)


قال ابن مظعون ـ رضي الله عنه: فاستقر حب الإيمان في قلبي بهذه الآية الجامعة لكل خصال الخير.
ثم ذهب فأخبر أبا طالب، فلما سمع أبو طالب ما قاله ابن مظعون في هذه الآية قال: يا معشر قريش آمنوا بالذي جاء به محمد، فإنه قد جاءكم بأحسن الأخلاق.

<ويروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض نفسه على قبائل العرب، وكان معه أبو بكر وعلي، قال علي: فإذا بمجلس عليه وقار ومهابة، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقام إليه مقرون بن عمرو وكان من شيبان ابن ثعلبة فقال: إلى أي شيء تدعونا يا أخا قريش؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90"}
(سورة النحل)


فقال مقرون: إنك دعوت إلى مكارم الأخلاق وأحسن الأعمال، أفكت قريش إن خاصمتك وظاهرت عليك>

أخذ عثمان بن مظعون هذه الآية ونقلها إلى عكرمة بن أبي جهل، فأخذها عكرمة ونقلها إلى الوليد بن المغيرة، وقال له: إن آية نزلت على محمد تقول كذا وكذا، فأفكر الوليد بن المغيرة ـ أي: فكر فيما سمع ـ وقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول بشر.
ومع شهادته هذه إلا أنه لم يؤمن، فقالوا: حسبه أنه شهد للقرآن وهو كافر. وهكذا دخلت هذه الآية قلوب هؤلاء القوم، واستقرت في أفئدتهم؛ لأنها آية جامعة مانعة، دعت لكل خير، ونهت عن كل شر. قوله:

{إن الله يأمر بالعدل .. "90"}
(سورة النحل)


ما العدل؟ العدل هو الإنصاف والمساواة وعدم الميل؛ لأنه لا يكون إلا بين شيئين متناقضين، لذلك سمي الحاكم العادل منصفاً؛ لأنه إذا مثل الخصمان أمامه جعل لكل منهما نصف تكوينه، وكأنه قسم نفسه نصفين لا يميل لأحدهما ولا قيد شعرة، هذا هو الإنصاف.
ومن أجل الإنصاف جعل الميزان، والميزان تختلف دقته حسب الموزون، فحساسية ميزان البر غير حساسية ميزان الجواهر مثلاً، وتتناهى دقة الميزان عند أصحاب صناعة العقاقير الطبية، حيث أقل زيادة في الميزان يمكن أن تحول الدواء إلى سم، وقد شاهدنا تطوراً كبيراً في الموازين، حتى أصبحنا نزن أقل ما يمكن تصوره.
والعدل دائر في كل أقضية الحياة من القمة في شهادة ألا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، فالعدل مطلوب في أمور التكليف كلها، في الأمور العقدية التي هي عمل القلب، وكذلك مطلوب في الأمور العملية التي هي أعمال الجوارح في حركة الحياة.