عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-2011, 03:01 PM   #528
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 92

(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون "92")
الحق تبارك وتعالى يضرب لنا في هذه الآية مثلاً توضيحياً للذين ينقضون العهد والأيمان، ولا يوفون بها، بهذه المرأة القرشية الحمقاء ريطة بنت عامر، وكانت تأمر جواريها بغزل الصوف من الصبح إلى الظهر، ثم تأمرهن بنقض ما غزلنه من الظهر حتى العصر، والمتأمل في هذا المثل يجد فيه دروساً متعددة.
أولاً: ما الغزل؟
الغزل عملية كان يقوم بها النساء قديماً، فكن يحضرن المادة التي تصلح للغزل مثل الصوف أو الوبر ومثل القطن الآن، وهذه الأشياء عبارة عن شعيرات دقيقة تختلف في طولها من نوع لآخر يسمونها التيلة، فيقولون "هذه تيلة قصيرة" وهذه طويلة".
والغزل هو أن نكون من هذه الشعيرات خيطاً طويلاً ممتداً وانسيابياً دون عقد فيه لكي يصلح للنسج بعد ذلك، وتتم هذه العملية بآلة بدائية تسمى المغزل. تقوم المرأة بخلط هذه الشعيرات الدقيقة ثم برمها بالمغزل، ليخرج في النهاية خيط طويل منساب متناسق لا عقد فيه.
والآية هنا ذكرت المرأة في هذا العمل؛ لأنه عمل خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تكن في بيتها وتمارس مثل هذه الصناعات البسيطة التي تكون منها أثاث بيتها من فرش وملابس وغيره.
وإلى الآن نرى المرأة التي تحافظ على كرامتها من زحمة الحياة ومعترك الاختلاط، نراها تقوم بمثل هذا العمل النسائي.
وقد تطور المغزل الآن إلى ماكينة تريكو أو ماكينة خياطة، مما ييسر للنساء هذه الأعمال، ويحفظهن في بيوتهن، وينشر في البيت جواً من التعاون بين الأم وأولادها، وأمامنا مثلاً مشروع الأسر المنتجة حيث تشارك المرأة بجزء كبير في رقي المجتمع، فلا مانع إذن من عمل المرأة إذا كان عملاً شريفاً يحفظ عليها كرامتها ويصون حرمتها.
فالقرآن ضرب لنا مثلاً بعمل المرأة الجاهلية، هذا العمل الذي يحتاج إلى جهد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نقضه وفكه، فهذه عملية شاقة جداً، وربما أمرت الجواري بفك الغزل والنسيج أيضاً؛ ولذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش. وقوله:

{من بعد قوةٍ .. "92"}
(سورة النحل)


كلمة قوة هنا تدلنا على المراحل التي تمر بها عملية الغزل، وكم هي شاقة، بداية من جز الصوف من الغنم أو الوبر من الجمال، ثم خلط أطراف كل تيلة من هذه الشعيرات، بحيث تكون طرف كل تيلة منها في وسط الأخرى لكي يتم التلاحم بينها بهذا المزج، ثم تدير المرأة المغزل بين أصابعها لتخرج لنا في النهاية بضعة سنتيمترات من الخيط، ولو قارنا بين هذه العملية اليدوية، وبين ما توصلت إليه صناعة الغزل الآن لتبين لنا كم كانت شاقة عليهم.
فكأن القرآن الكريم شبه الذي يعطي العهد ويوثقه بالأيمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلاً وشاهداً على ما يقول بالتي غزلت هذا الغزل، وتحملت مشقته، ثم راحت فنقضت ما أنجزته، وفكت ما غزلته.
وكذلك كلمة (قوة) تدلنا على أن كل عمل يحتاج إلى قوة، هذه القوة إما أن تحرك الساكن أو تسكن المتحرك؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى:

{خذوا ما آتيناكم بقوةٍ .. "63"}
(سورة البقرة)


لأن ساكن الخير نريد أن نحركك إليه، ومتحرك الشر نريد أن نكفك عنه. وهذه يسمونها في عالم الحركة (قانون العطالة) المتحرك يظل متحركاً إلى أن يعرض له شيء يسكنه، والساكن يظل ساكناً إلى أن يعرض له شيء يحركه.
ومن هنا يتعجب الكثيرون من الأقمار الصناعية التي تدور أعواماً عدة في الفضاء: ما الوقود الذي يحرك هذه الأقمار طوال هذه الأعوام؟
والواقع أنه لا يوجد وقود يحركها، الوقود في مرحلة الانطلاق فقط، إلى أن يخرج من منطقة الهواء والجذب، فإذا ما استقر القمر أو السفينة الفضائية في منطقة عدم الجذب تدور وتتحرك بنفسها دون وقود، فهناك الشيء المتحرك يظل متحركاً، والساكن يظل ساكناً.