17-10-2011, 08:17 PM
|
#548
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة النحل - الآية: 112
| (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112") | الحق سبحانه وتعالى بعد أن تكلم عن الإيمان بالله والإيمان بصدق رسوله في البلاغ عنه، واستقبال منهج الله في الكتاب والسنة، وتكلم عن المقابل لذلك من الكفر واللجاج والعناد لله وللرسول وللمنهج. أراد سبحانه أن يعطينا واقعاً ملموساً في الحياة لكل ذلك، فضرب لنا هذا المثل.
ومعنى المثل: أن يتشابه أمران تشابهاً تاماً في ناحية معينة بحيث تستطيع أن تقول: هذا مثل هذا تماماً.
والهدف من ضرب الأمثال أن يوضح لك مجهولاً بمعلوم، فإذا كنت مثلاً لا تعرف شخصاً نتحدث عنه فيمكن أن نقول لك: هو مثل فلان ـ المعلوم لك ـ في الطول ومثل فلان في اللون .. الخ من الصور المعلومة لك، وبعد أن تجمع هذه الصور تكون صورة كاملة لهذا الشخص الذي لا تعرفه.
لذلك، فالشيء الذي لا مثيل له إياك أن تضرب له مثلاً، كما قال الحق سبحانه:
{فلا تضربوا لله الأمثال "74"}
(سورة النحل)
لأنه سبحانه لا مثيل له، ولا نظير له، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهو سبحانه الذي يضرب المثل لنفسه، أما نحن فلا نضرب المثل إلا للكائنات المخلوقة له سبحانه. لذلك نجد في القرآن الكريم أمثالاً كثيرة توضح لنا المجهول بمعلوم لنا، وتوضح الأمر المعنوي بالأمر الحسي الملموس لنا.
ومن ذلك ما ضربه الله لنا مثلاً في الإنفاق في سبيل الله، وأن الله يضاعف النفقة، ويخلف على صاحبها أضعافاً مضاعفة، فانظر كيف صور لنا القرآن هذه المسألة:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"}
(سورة البقرة)
وهكذا أوضح لنا المثل الأمر الغيبي المجهول بالأمر المحس المشاهد الذي يعلمه الجميع، حتى استقر هذا المجهول في الذهن، بل أصبح أمراً متيقناً شاخصاً أمامنا.
والمتأمل في هذا المثل التوضيحي يجد أن الأمر الذي وضحه الحق سبحانه أقوى في العطاء من الأمر الذي أوضح به، فإن كانت هذه الأضعاف المضاعفة هي عطاء الأرض، وهي مخلوقة لله تعالى، فما بالك بعطاء الخالق سبحانه وتعالى؟
وكلمة (ضرب) مأخوذة من ضرب العملة، حيث كانت في الماضي من الذهب أو الفضة، ولخوف الغش فيها حيث كانوا يخلطون الذهب مثلاً بالنحاس، فكان النقاد أي: الخبراء في تمييز العملة يضربونها أي: يختمون عليها فتصير معتمدة موثوقاً بها، ونافذة وصالحة للتداول. كذلك إذا ضرب الله مثلاً لشيء مجهول بشيء معلوم استقر في الذهن واعتمد.
فقال تعالى في هذا المثل:
{وضرب الله مثلاً قريةً .. "112"}
(سورة النحل)
الهدف من ضرب هذا المثل أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يوضح لنا أن الإنسان إذا أنعم الله عليه بشتى أنواع النعم فجحدها، ولم يشكره عليها، ولم يؤد حق الله فيها، واستعمل نعمة الله في معصيته فقد عرضها للزوال، وعرض نفسه لعاقبة وخيمة ونهاية سيئة، فقيد النعمة بشكرها وأداء حق الله فيها، لذلك قال الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله شديد النقم
ولكن، القرية التي ضربها الله لنا مثلاً هنا، هل هي قرية معينة أم المعنى على الإطلاق؟ قد يراد بالقرية قرية معينة كما قال البعض إنها مكة، أو غيرها من القرى، وعلى كل فتحديدها أمر لا فائدة منه، ولا يؤثر في الهدف من ضرب المثل بها.
والقرية: اسم للبلد التي يكون بها قرى لمن يمر بها، أي: بلد استقرار. وهي اسم للمكان فإذا حدث عنها يراد المكين فيها، كما في قوله تعالى:
{واسأل القرية التي كنا فيها .."82"}
(سورة يوسف)
فالمراد: اسأل أهل القرية؛ لأن القرية كمكان لا تسأل .. هكذا قال علماء التفسير، على اعتبار أن في الآية مجازاً مرسلاً علاقته المحلية. ولكن مع تقدم العلم الحديث يعطينا الحق تبارك وتعالى مدداً جديداً، كما قال سبحانه:
{سنريهم آيتانا في الآفاق وفي أنفسهم .. "53"}
(سورة فصلت)
والآن تطالعنا الاكتشافات بإمكانية التقاط صور وتسجيل أصوات السابقين، فمثلاً يمكنهم بعد انصرافنا من هذا المكان أن يسجلوا جلستنا هذه بالصوت والصورة.
ومعنى ذلك أن المكان يعي ويحتفظ لنا بالصور والأصوات منذ سنوات طويلة، وعلى هذا يمكن أن نقول: إن القرية يمكن أن تسأل، ويمكن أن تجيب، فلديها ذاكرة واعية تسجل وتحتفظ بما سجلته، بل وأكثر من ذلك يتطلعون لإعادة الصور والأصوات من بدء الخليقة على اعتبار أنها موجودة في الجو، مودعة فيه على شكل موجات لم تفقد ولم تضع.
وما أشبه هذه الموجات باندياح الماء إذا ألقيت فيه بحجر، سؤال القرية سيكون أبلغ من سؤال أهلها؛ لأن أهلها قد يكذبون، أما هي فلا تعرف الكذب. وبهذا الفهم للآية الكريمة يكون فيها إعجاز من إعجازات الأداء القرآني. |
|
|
|