عرض مشاركة واحدة
قديم 17-10-2011, 08:22 PM   #562
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 126

(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "126")
نلاحظ أن هذا المعنى ورد في قوله تعالى:

{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .. "194"}
(سورة البقرة)


وبمقارنة الآيتين نرى أنهما يقرران المثلية في رد الاعتداء:

{فعاقبوا بمثل .. "126"}
(سورة النحل)


و {فاعتدوا عليه بمثل .. "194"}
(سورة البقرة)

إذن: الحق سبحانه، وإن شرع لنا الرد على الاعتداء بالمثل، إلا أن جعله صعباً من حيث التنفيذ، فمن الذي يستطيع تقدير المثلية في الرد، بحيث يكون مثله تماماً دون اعتداء، ودون زيادة في العقوبة، وكأن في صعوبة تقدير المثلية إشارة إلى استحباب الانصراف عنها إلى ما هو خير منها، كما قال تعالى:

{ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "126"}
(سورة النحل)


فقد جعل الله في الصبر سعة، وجعله خيراً من رد العقوبة، ومقاساة تقدير المثلية فيها، فضلاً عما في الصبر من تأليف القلوب ونزع الأحقاد، كما قال الحق سبحانه:

{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "34"}
(سورة النحل)


ففي ذلك دفع لشراسة النفس، وسد لمنافذ الانتقام، وقضاء على الضغائن والأحقاد. وقوله:

{لهو خير للصابرين "126"}
(سورة النحل)


الخيرية هنا من وجوه:
أولاً: في الصبر وعدم رد العقوبة بمثلها إنهاء للخصومات وراحة للمجتمع أن تفزعه سلسلة لا تنتهي من العداوة.
ثانياً: من ظلم من الخلق، فصبر على ظلمهم، فقد ضمن أن الله تعالى في جواره؛ لأن الله يغار على عبده المظلوم، ويجعله في معيته وحفظه؛ لذلك قالوا: لو علم الظالم ما أعده الله للمظلوم لضن عليه بالظلم.
والمتتبع لآيات الصبر في القرآن الكريم يجد تشابهاً في تذييل بعض الآيات. يقول تعالى:

{واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "17"}
(سورة لقمان)


وفي آية أخرى:

{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور "43"}
(سورة الشورى)


ولا ننسى أن المتكلم هو الله، إذن: ليس المعنى واحداً، فلكل حرف هنا معنى، والمواقف مختلفة، فانظر إلى دقة التعبير القرآني. ولما كانت المصائب التي تصيب الإنسان على نوعين:
النوع الأول: هناك مصائب تلحق الإنسان بقضاء الله وقدره، وليس له غريم فيها، كمن أصيب في صحته أو تعرض لجائحة في ماله، أو انهار بيته .. الخ. وفي هذا النوع من المصائب يشعر الإنسان بألم الفقد ولذعة الخسارة، لكن لا ضغن فيها على أحد.
إذن: الصبر على هذه الأحداث قريب؛ لأنه ابتلاء وقضاء وقدر فلا يحتاج الأمر بالصبر هنا إلى توكيد، ويناسبه قوله تعالى:

{واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "17"}
(سورة لقمان)


أما النوع الآخر: فهو المصائب التي تقع بفعل فاعل، كالقتل مثلاً، فإلى جانب الفقد يوجد غريم لك، يثير حفيظتك، ويهيج غضبك، ويدعوك إلى الانتقام كلما رأيته، فالصبر في هذه أصعب وحمل النفس عليه يحتاج إلى توكيد كما في الآية الثانية:

{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور "43"}
(سورة الشورى)


فاستعمل هنا لام التوكيد؛ لأن الصبر هنا شاق، والفرصة متاحة للشيطان ليؤلب القلوب، ويثير الضغائن والأحقاد. كما نلاحظ في الآية الأولى قال: (واصبر). وفي الثانية قال: (صبر وغفر) لأن أمامه غريماً يدعوه لأن يغفر له.
ويحكي في قصص العرب قصة اليهودي المرابي الذي أعطى رجلاً مالاً على أن يرده في أجل معلوم، واشترط عليه إن لم يف بالسداد في الوقت المحدد يقطع رطلاً من لحمه، ووافق الرجل، وعند موعد السداد لم يستطع الرجل أداء ما عليه.
فرفع اليهودي الأمر إلى القاضي وقص عليه ما بينهما من اتفاق، وكان القاضي صاحب فطنة فقال: نعم العقد شريعة المتعاقدين، وأمر له بسكين. وقال: خذ من لحمه رطلاً، ولكن في ضربة واحد، وإن زاد عن الرطل أو نقص أخذناه من لحمك أنت.
ولما رأى اليهودي مشقة ما هو مقدم عليه آثر السلامة وتصالح مع خصمه. والسؤال الآن: ما علاقة هذه الآية:

{وإن عاقبتم .. "126"}
(سورة النحل)