عرض مشاركة واحدة
قديم 17-10-2011, 09:04 PM   #567
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 3

(ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا "3")
(ذرية) منصوبة هنا على الاختصاص لقصد المدح، فالمعنى: أخصكم أنتم يا ذرية نوح، ولكن لماذا ذرية نوح بالذات؟
ذلك لأننا نجينا الذين آمنوا معه من الطوفان والغرق، وحافظنا على حياتهم، وأنتم ذريتهم، فلابد لكم أن تذكروا هذه النعمة لله تعالى، أن أبقاكم الآن من بقاء آبائكم.
فكأن الحق سبحانه يمتن عليهم بأن نجى إبراهيم مع نوح، فليستمعوا إلى منهج الله الذي جربه آباؤهم، ووجدوا أن من يؤمن بالله تكون له النجاة والأمن من عذاب الله. ويقول تعالى:

{إنه كان عبدا شكورا "3" }
(سورة الإسراء)


أي: أن الحق سبحانه أكرم ذريته؛ لأنه كان عبداً شكوراً، والعمل الصالح ينفع ذرية صاحبه؛ ولذلك سنلاحظ ذرية نوح بعنايتنا، ولن نتركهم يتخبطون في متاهات الحياة، وسنرسل لهم الهدى الذي يرسم لهم الطريق القويم، ويجنبهم الزلل والانحراف.
ودائماً ما ينشغل الآباء بالأبناء، فإذا ما توفر للإنسان قوت يومه تطلع إلى قوت العام كله، فإذا توفر له قوت عامه قال: أعمل لأولادي، فترى خير أولاده أكثر من خيره، وتراه ينشغل بهم، ويؤثرهم على نفسه، ويترقى في طلب الخير لهم، ويود لو حمل عنهم كل تعب الحياة ومشاقها.
ومع ذلك، فالإنسان عرضة للأغيار، وقد يأتيه أجله فيترك وراءه كل شيء؛ ولذلك فالحق سبحانه يدلنا على وجه الصواب الذي ينفع الأولاد، فيقول تعالى:

{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا "9"}
(سورة النساء)


والحق تبارك وتعالى حينما يعلمنا أن تقوى الله تتعدى بركتها إلى أولادك من بعدك، يعطينا مثلاً واقعياً في قصة موسى والخضر عليهما السلام ـ التي حكاها لنا القرآن الكريم.
والشاهد فيها أنهما حينما مرا على قرية، واستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، وسؤال الطعام يدل على صدق الحاجة، فلو طلب منك السائل مالاً فقد تتهمه بكنزه، أما إذا طلب منك رغيفاً يأكله فلاشك أنه صادق في سؤاله، فهذا دليل على أنها قرية لئام لا يقومون بواجب الضيافة، ولا يقدرون حاجة السائل.
ومن هنا تعجب موسى ـ عليه السلام ـ من مبادرة الخضر إلى بناء الجدار الذي أوشك على السقوط دون أن يأخذ أجره من هؤلاء اللئام:

{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا "77"}
(سورة الكهف)


وهنا يكشف الخضر لموسى حقيقة الأمر، ويظهر له ما أطلعه الله عليه من بواطن الأمور التي لا يدركها موسى عليه السلام، فيقول:

{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك .. "82" }
(سورة الكهف)


فالجدار ملك لغلامين صغيرين لا يقدران على حماية مالهما من هؤلاء اللئام، ولأن أباهما كان صالحاً سخر الله لهما من يخدمهما، ويحافظ على مالهما.
إذن: فعلة هذا العمل أن أباهما كان صالحاً، فأكرمهم الله من أجله، وجعلهما في حيازته وحفظه. وهنا قد يسأل سائل: ومن أين للغلامين أن يعلما بأمر هذا الكنز عند بلوغهما؟
والظاهر أن الخضر بما أعطاه الله من الحكمة بنى هذا الجدار بناءً موقوتاً، بحيث ينهدم بعد بلوغ الغلامين، فيكونان قادرين على حمايته والدفاع عنه. والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا هذه القضية في آية أخرى فيقول سبحانه:

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء "21"}
(سورة الطور)


فكرامة للآباء نلحظ بهم الأبناء، حتى وإن قصروا في العمل عن آبائهم، فنزيد في أجر الأبناء، ولا ننقص من أجر الآباء. وقوله:

{إنه كان عبدا شكورا "3" }
(سورة الإسراء)