عرض مشاركة واحدة
قديم 17-10-2011, 09:05 PM   #570
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 6

(ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً "6")
الخطاب في هذه الآية موجه لبني إسرائيل، والآية تمثل نقطة تحول وانقلاب للأوضاع، فبعد أن تحدثنا عنه من غلبة المسلمين، وأن الله سلطهم لتأديب بني إسرائيل، نرى هنا أن هذا الوضع لم يستمر؛ لأن المسلمين تخلوا عن منهج الله الذي ارتفعوا به، وتنصلوا من كونهم عباداً لله، فدارت عليهم الدائرة، وتسلط عليهم اليهود، وتبادلوا الدور معهم؛ لأن اليهود أفاقوا لأنفسهم بعد أن أدبهم رسول الله والمسلمون في المدينة، فأخذوا ينظرون في حالهم وما وقعوا فيه من مخالفات.
ولابد أنه قد حدث منهم شبه استقامة على منهج الله، أو على الأقل حدث من المسلمين انصراف عن المنهج وتنكب للطريق المستقيم، فانحلت الأمور الإيمانية في نفوس المسلمين، وانقسموا دولاً، لكل منها جغرافياً، ولكل منها نظام حاكم ينتسب إلى الإسلام، فانحلت عنهم صفة عباد الله.
فبعد قوتهم واستقامتهم على منهج الله، وبعد أن استحقوا أن يكونوا عباداً لله بحق تراجعت كفتهم وتخلوا عن منهج ربهم، وتحاكموا إلى قوانين وضعية، فسلط عليهم عدوهم ليؤدبهم، فأصبحت الغلبة لليهود؛ لذلك يقول تعالى:

{ثم رددنا لكم الكرة عليهم .. "6" }
(سورة الإسراء)


و(ثم) حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي، على خلاف الفاء مثلاً التي تفيد الترتيب مع التعقيب، ومن ذلك قوله تعالى:

{ثم أماته فأقبره "21" ثم إذا شاء أنشره "22" }
(سورة عبس)


فلم يقل الحق سبحانه: فرددنا، بل (ثم رددنا). ذلك لأن بين الكرة الأولى التي كانت للمسلمين في عهد رسول الله، وبين هذه الكرة التي كانت لليهود وقتاً طويلاً.
فلم يحدث بيننا وبينهم حروب لعدة قرون، منذ عصر الرسول إلى أن حدث وعد بلفور، الذي أعطى لهم الحق في قيام دولتهم في فلسطين، وكانت الكرة لهم علينا في عام 1967، فناسب العطف بـ"ثم" التي تفيد التراخي. والحق سبحانه يقول:

{ثم رددنا لكم الكرة .. "6" }
(سورة الإسراء)


أي: جعلنا لبني إسرائيل الغلبة والقوة والنصر على المسلمين وسلطناهم عليهم؛ لأنهم تخلوا عن منهج ربهم، وتنازلوا عن الشروط التي جعلتهم عباداً لله.
و(الكرة) أي: الغلبة من الكر والفر الذي يقوم به الجندي في القتال، حيث يقدم مرة، ويتراجع أخرى. وقوله تعالى:

{وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً "6"}
(سورة الإسراء)


وفعلاً أمدهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدهم بالبنين الذين يعلمونهم ويثقفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات.
ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كرة على المسلمين، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين، ولابد لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى:

{وجعلناكم أكثر نفيراً "6" }
(سورة الإسراء)
فالنفير من يستنفره الإنسان لينصره، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندت اليهود وصادمت المسلمين. ومازالت الكرة لهم علينا، وسوف تظل إلى أن نعود كما كنا، عباداً لله مستقيمين على منهجه، محكمين لكتابه،