عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2011, 07:34 PM   #575
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 11

(ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا"11")
(يدع) الدعاء: طلب ما تعجز عنه قادر عليه. وأهل النحو يقولون. إن الفعل: ماضٍ ومضارع وأمر. فالأمر: طلب من الأعلى إلى الأدنى، فكل طلب من الله لخلقه فهو أمر، أو من الأعلى من البشر للأدنى. أما إن كان الطلب من مساوٍ لك فهو التماس أو رجاء. فإن كان الطلب من الأدنى للأعلى، كطلب العبد من ربه فهو دعاء.
لذلك نجد التدقيق في الإعراب يحفظ لله تعالى مكانته ويعظمه، فنقول للطالب: أعرب: رب اغفر لي، فيقول: اغفر، فعل دال على الدعاء، لأنه لا يجوز في حق المولى تبارك وتعالى أن نقول: فعل أمر، فالله لا يأمره أحد.
فأول ما يفهم من الدعاء أنه دل على صفة العجز والضعف في العبد، وأنه قد اندكت فيه ثورة الغرور، فعلم أنه لا يقدر على هذا إلا الله فتوجه إليه بالدعاء.
(بالشر) بالمكروه، والإنسان لا يدعو على نفسه، أو على ولده، أو على ماله بالشر إلا في حالة الحنق والغضب وضيق الأخلاق، الذي يخرج الإنسان عن طبيعته، ويفقده التمييز، فيتسرع في الدعاء بالشر، ويتمنى أن ينفذ الله له ما دعا به.
ومن رحمة الله تعالى بعباده ألا يستجيب لهم هذا الدعاء الذي إن دل فإنما يدل على حمق وغباء من العبد.
وكثيراً ما نسمع أماً تدعو على ولدها بما لو استجاب الله له لكانت قاصمة الظهر لها، أو نسمع أباً يدعو على ولده أو على ماله، إذن: فمن رحمة الله بنا أن يفوت لنا هذا الحمق، ولا ينفذ لنا ما تعجلناه من دعاءٍ بالشر. قال تعالى:

{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم .. "11" }
(سورة يونس)


أي: لو استجاب الله لهم في دعائهم بالشر لكانت نهايتهم. وإن كنت تسر وتسعد بأن ربك سبحانه وتعالى فوت لك دعوة بالشر فلم يستجب لها، وأن لعدم استجابته سبحانه لحكمة بالغة. فاعلم أن لله حكمة أيضاً حينما لا يستجيب لك في دعوة الخير، فلا تقل: دعوت فلم يستجب لي، واعلم أن لله حكمة في أن يمنعك خيراً تريده، ولعله لو أعطاك هذا الخير لكان وبالاً عليك.
إذن: عليك أن تقيس الأمرين بمقياس واحد، وترضى بأمر الله في دعائك بالخير، كما رضيت بأمره حين صرف عنك دعاء الشر، ولم يستجب لك فيه. فكما أن له سبحانه حكمة في الأولى، فله حكمة في الثانية.
وقد دعا الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، فقالوا:

{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء .. "32" }
(سورة الأنفال)


وقالوا:

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا "92" }
(سورة الإسراء)


ولو استجاب الله لهم هذا الدعاء لقضى عليهم، وقطع دابرهم، لكن لله تعالى حكمة في تفويت هذا الدعاء لهؤلاء الحمقى، وهاهم الكفار باقون حتى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.
وكان المنتظر منهم أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لكن المسألة عندهم ليست مسألة كفر وإيمان، بل مسألة كراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء به، بدليل أنهم قبلوا الموت في سبيل الكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن طبيعة الإنسان العجلة والتسرع، كما قال تعالى:

{خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون "37" }
(سورة الأنبياء)


فكثيراً ما يدعو الإنسان بالخير لنفسه أو بما يراه خيراً، فلا يجد وراءه إلا الشر والتعب والشقاء، وفي المقابل قد ينزل الله بك ما تظنه شراً، ويسوق الله الخير من خلاله.
إذن: أنت لا تعلم وجه الخير على حقيقته، فدع الأمر لربك عز وجل، واجعل حظك من دعائك لا أن تجاب إلى ما دعوت، ولكن أن تظهر ضراعة عبوديتك لعزة ربك سبحانه وتعالى.
ومعنى:

{دعاءه بالخير .. "11" }
(سورة الإسراء)