عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2011, 07:36 PM   #582
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 18

(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا "18" )
الحق تبارك وتعالى قبل أن يخلق الإنسان الذي جعله خليفة له في أرضه، خلق له الكون كله بما فيه، وخلق له جميع مقومات حياته، ووالى عليه نعمه إيجاداً من عدم، وإمداداً من عدم، وجعل من مقومات الحياة ما ينفعل له وإن لم يطلب منه، كالشمس والقمر والهواء والمطر .. الخ فهذه من مقومات حياتك التي تعطيك دون أن تتفاعل معها.
ومن مقومات الحياة ما لا ينفعل لك، إلا إذا تفاعلت معه، كالأرض مثلاً لا تعطيك إلا إذا حرثتها، وبذرت فيها البذور فتجدها قد انفعلت لك، وأعطتك الإنتاج الوفير.
والمتأمل في حضارات البشر وارتقاءاتهم في الدنيا يجدها نتيجة لتفاعل الناس مع مقومات الحياة بجوارحهم وطاقاتهم، فتتفاعل معهم مقومات الحياة، ويحدث التقدم والارتقاء.
وقد يرتقي الإنسان ارتقاء آخر، بأن يستفيد من النوع الأول من مقومات الحياة، والذي يعطيه دون أن يتفاعل معه، استفادة جديدة، ومن ذلك ما توصل إليه العلماء من استخدام الطاقة الشمسية استخدامات جديدة لم تكن موجودة من قبل.
إذن: فهذه نواميس في الكون، الذي يحسن استعمالها تعطيه النتيجة المرجوة، وبذلك يثري الإنسان حياته ويرتقي بها، وهذا ما أسميناه سابقاً عطاء الربوبية الذي يستوي فيه المؤمن والكافر، والطائع والعاصي. لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{من كان يريد العاجلة .. "18" }
(سورة الإسراء)


أي: عطاء الدنيا ومتعها ورقيها وتقدمها.

{عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد .. "18" }
(سورة الإسراء)


أجبناه لما يريد من متاع الدنيا.
ولابد لنا أن نتنبه إلى أن عطاء الربوبية الذي جعله الله للمؤمن والكافر، قد يغفل عنه المؤمن ويترك مقومات الحياة وأسبابها يستفيد منها الكافر ويتفاعل معها ويرتقي بها، ويتقدم على المؤمن، ويمتلك قوته ورغيف عيشه، بل وجميع متطلبات حياتهم، ثم بالتالي تكون لهم الكلمة العليا والغلبة والقهر، وقد يفتنونك عن دينك بما في أيديهم من أسباب الحياة.
وهذا حال لا يليق بالمؤمن، ومذلة لا يقبلها الخالق سبحانه لعباده، فلا يكفي أن نأخذ عطاء الألوهية من أمر ونهي وتكليف وعبادة، ونغفل أسباب الحياة ومقوماتها المادية التي لا قوام للحياة إلا بها.
في حين أن المؤمن أولى بمقومات الحياة التي جعلها الخالق في الكون من الكافر الذي لا يؤمن بإله.
إذن: فمن الدين ألا تمكن أعداء الله من السيطرة على مقومات حياتك، وألا تجعلهم يتفوقون عليك. وقوله:

{ما نشاء لمن نريد .. "18" }
(سورة الإسراء)


أي: أن تفاعل الأشياء معك ليس مطلقاً، بل للمشيئة تدخل في هذه المسألة، فقد تفعل، ولكن لا تأخذ لحكمة ومراد أعلى، فليس الجميع أمام حكمة الله سواء، وفي هذا دليل على طلاقة القدرة الإلهية.
ومعنى (ما نشاء) للمعجل و(لمن نريد) للمعجل له.
ومادام هذا يريد العاجلة، ويتطلع إلى رقي الحياة الدنيا وزينتها، إذن: فالآخرة ليست في باله، وليست في حسبانه؛ لذلك لم يعمل لها، فإذا ما جاء هذا اليوم وجد رصيده صفراً لا نصيب له فيها؛ لأن الإنسان يأخذ أجره على ما قدم، وهذا قدم للدنيا وأخذ فيها جزاءه من الشهرة والرقي والتقدم والتكريم.
قال تعالى:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39" }
(سورة النور)


والسراب ظاهرة طبيعية يراها من يسير في الصحراء وقت الظهيرة، فيرى أمامه شيئاً يشبه الماء، حتى إذا وصل إليه لم يجده شيئاً، كذلك إن عمل الكافر خيراً في الدنيا فإذا أتى الآخرة لم يجد له شيئاً من عمله؛ لأنه أخذ جزاءه في الدنيا.
ثم تأتي المفاجأة:

{ووجد الله عنده .. "39"}
(سورة النور)