عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-2011, 07:54 PM   #592
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 28

(وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسوراً "28" )
ولنا أن نسأل: عمن يكون الإعراض؟ فقد سبق الحديث عن الوالدين والأقارب والمسكين وابن السبيل، والإعراض عن هؤلاء لا يتناسب مع سياق الآية لأنه إعراض عن طاعة الله، بدليل قوله:

{ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها .. "28" }
(سورة الإسراء)


فالله تعالى في ذهنك، وتبتغي من وراء هذا الإعراض رحمة الله ورزقه وسعته. إذن: الإعراض هنا ليس معصية أو مخالفة. فماذا إذن الغرض من الإعراض هنا؟
نقول: قد يأتيك قريب أو مسكين أو عابر سبيل ويسألك حاجة وأنت لا تملكها في هذا الوقت فتخجل أن تواجهه بالمنع، وتستحي منه، فما يكون منك إلا أن تتوجه إلى ربك عز وجل وتطلب منه ما يسد حاجتك وحاجة سائلك، وأن يجعل لك من هذا الموقف مخرجاً.
فالمعنى: إما تعرضن عنهم خجلاً وحياءً أن تواجههم، وليس عندك ما يسد حاجتهم، وأنت في هذا الحال تلجأ إلى الله أن يرحمك رحمة تسعك وتسعهم.
وقوله تعالى:

{فقل لهم قولاً ميسوراً "28"}
(سورة الإسراء)


كما قال في موضع آخر في مثل هذا الموقف:

{قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى .. "263"}
(سورة البقرة)


فحتى في حال المنع يجب على المسلم أن يلتزم الأدب، ولا يجرح مشاعر السائل، وأن يرده بلين ورفق، وأن يظهر له الحياء والخجل، وألا يتكبر أو يتعالى عليه، وأن يتذكر نعمة الله عليه بأن جعله مسئولاً لا سائلاً.
إذن: فالعبارات والأعمال الصالحة في مثل هذا الموقف لا يكفي فيها أن تقول: ما عندي، فقد يتهمك السائل بالتعالي عليه، أو بعدم الاهتمام به، والاستغناء عنه، وهنا يأتي دور الارتقاءات الإيمانية والأريحية للنفس البشرية التي تسمو بصاحبها إلى أعلى المراتب. وتأمل هذا الارتقاء الإيماني في قوله تعالى عن أصحاب الأعذار في الجهاد:

{ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون "92" }
(سورة التوبة)


هذه حكاية بعض الصحابة الذين أتوا رسول الله ليخرجوا معه إلى الجهاد، ويضعوا أنفسهم تحت أمره وتصرفه، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر لهم، فليس لديه من الركائب ما يحملهم عليه إلى الجهاد.
فماذا كان من هؤلاء النفر المؤمنين؟ هل انصرفوا ولسان حالهم يقول: لقد فعلنا ما علينا ويفرحون بما انتهوا إليه؟ لا، بل:

{تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون "92" }
(سورة التوبة)