عرض مشاركة واحدة
قديم 20-10-2011, 10:43 AM   #597
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 33

(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا "33" )
قوله تعالى:

{ولا تقتلوا النفس .. "33"}
(سورة الإسراء)


كان القياس أن يقابل الجمع بالجمع، فيقول: لا تقتلوا النفوس التي حرم الله، لكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن قتل النفس الواحد مسئولية الجميع، لا أن يسأل القاتل عن النفس التي قتلها، بل المجتمع كله مسئول عن هذه الجريمة.

{التي حرم الله .. "33" }
(سورة الإسراء)


أي: جعلها محرمة لا يجوز التعدي عليها؛ لأنها بنيان الله وخلقته وصناعته، وبنيان الله لا يهدمه أحد غيره. أو نقول:

{النفس التي حرم الله .. "33" }
(سورة الإسراء)


أي: حرم الله قتلها.

{إلا بالحق .. "33"}
(سورة الإسراء)


هذا الاستثناء من الحكم السابق الذي قال: لا تقتلوا النفس التي حرم الله (إلا بالحق) أي: ولكن اقتلوها بالحق، والحق هنا المراد به ثلاثة أشياء:
ـ القصاص من القاتل.
ـ الردة عن الإسلام.
ـ زنا المحصن أو المحصنة.
وهذه أسباب ثلاثة توجب قتل الإنسان، والقتل هنا يكون بالحق أي: بسبب يستوجب القتل. وقد أثار أعداء الإسلام ضجة كبيرة حول هذه الحدود وغيرها، واتهموا الإسلام بالقسوة والوحشية، وحجتهم أن هذه الحدود تتنافى وإنسانية الإنسان وآدميته، وتتعارض مع الحرية الدينية التي يقول بها الإسلام في قوله تعالى:

{لا إكراه في الدين .. "256"}
(سورة البقرة)


ففي القصاص قالوا: لقد خسر المجتمع واحداً بالقتل، فكيف نزيد من خسارته بقتل الآخر؟
نقول: لابد أن نستقبل أحكام الله بفهم واع ونظرة متأملة، فليس الهدف من تشريع الله للقصاص كثرة القتل، إنما الهدف ألا يقع القتل، وألا تحدث هذه الجريمة من البداية.
فحين يخبرك الحق سبحانه أنك إن قتلت فسوف تقتل، فهو يحمي حياتك وحياة الآخرين. وليس لدى الإنسان أغلى من حياته، حتى القاتل لم يقتل إلا لأنه يحب الحياة، وقتل من أجلها من قتل؛ لأنه ربما خدش عزته أو كرامته، وربما لأنه عدو له أقوى منه.
ولاشك أن حياته أغلى من هذا كله، فحين نقول له: إن قتلت ستقتل، فنحن نمنعه أن يقدم على هذه الجريمة، ونلوح له بأقسى ما يمكن من العقوبة. ولذلك قالوا: القتل أنفى للقتل.
وقال تعالى:

{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب .. "179"}
(سورة البقرة)


وهذا نداء لأصحاب الأفهام والعقول الواعية، ليس القصاص كما يظن البعض، بل فيه الحياة وفيه سلامة المجتمع وحقن الدماء.
ويجب أن يكون عندنا يقظة استقبال لأحكام الله؛ لأن القاتل ما قتل إلا حينما غفل عن الحكم، ويجب أيضاً أن ننظر إلى حكم القصاص نظرة موضوعية، لأنه كما حمى غيري من قتلي له حماني أيضاً من قتل غيري لي، ومادامت المسألة: لك مثل ما عليك، وحظك منها كحظ الناس جميعاً، فلماذا الاعتراض؟
وكذلك في السرقة، حينما يقول لك: لا تسرق، فأنت ترى أن هذا الأمر قد قيد حريتك أنت، لكن الحقيقة أنه أيضاً قيد حرية الآخرين بالنسبة للسرقة منك. والذي يتأمل هذه الحدود يجدها في صالح الفرد؛ لأنها تقيد حريته وهو فرد واحد، وتقيد من أجله حرية المجتمع كله.
وفي الزكاة، حينما يوجب عليك الشارع الحكيم أن تخرج قدراً معلوماً من مالك للفقراء، فلا تقل: هذا مالي جمعته بجهدي وعرقي. ونقول لك: نعم هو مالك، ولكن لا تنس أن الأيام دول وأغيار، والغني اليوم قد يفتقر غداً، فحين تعضك الأيام فسوف تجد من يعطيك، ويكيل لك بنفس الكيل الذي كلت به للناس.
إذن: يجب أن نكون على وعي في استقبال الأحكام عن الله تعالى، وأن ننظر إليها نظرة شمولية، فنرى ما لنا فيها وما علينا، ومادامت هذه الأحكام تعطينا بقدر ما تأخذ منا فهي أحكام عادلة.
وحكم القصاص يجعل الإنسان حريصاً على نفسه، ويمنعه أن يقدم على القتل، فإن غفل عن هذا الحكم وارتكب هذه الجريمة فلابد أن يقتص منه؛ فإن أخذتنا الشهامة وتشدقنا بالإنسانية والكرامة والرحمة الزائفة، وعارضنا إقامة الحدود فليكن معلوماً لدينا أن من يعارض في إعدام قاتل فسوف يتسبب في إعدام الملايين، وسوف يفتح الباب لفوضى الخلافات والمنازعات، فكل من اختلف مع إنسان سارع إلى قتله؛ لأنه لا يوجد رادع يردعه عن القتل.