عرض مشاركة واحدة
قديم 20-10-2011, 10:52 AM   #610
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 46

(وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا"46" )
ومعنى (أكنة) جمع كنان، وهو الغطاء، وقد حكى القرآن اعترافهم بهذه الأكنة وهذه الحجب التي غلفت قلوبهم في قوله تعالى:

{وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب .. "5"}
(سورة فصلت)


الكون كله خلق الله، والإنسان سيد هذا الكون، وخليفة الله فيه وهو مربوب للخالق سبحانه لا يخرج عن مربوبيته لربه، حتى وإن كان كافراً لا يزال يتقلب في عطاء الربوبية، فلا يحرم منها الكافر بكفره ولا عاص بمعصيته، بل كما قال تعالى:

{كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك .. "20"}
(سورة الإسراء)


وسبق أن فرقنا بين عطاء الربوبية المتمثل في كل نعم الحياة وبين عطاء الألوهية، وهو التكليف الذي يقتضي عبداً ومعبوداً، وافعل ولا تفعل.
إذن: عطاء الربوبية عام للجميع ودائم للجميع، فكان على الإنسان أن يقف مع نفسه وقفة تأمل في هذه النعم التي تساق إليه دون سعي منه أو مجهود، هذه الشمس وهذه الأرض وهذا الهواء، هل له قدرة عليها؟ هل تعمل له بأمره، إنها أوليات النعم التي أجراها الله تعالى من أجله، وسخرها بقدرته من أجله، ألا تدعوه هذه النعم إلى الإيمان بالمنعم سبحانه وتعالى؟
وسبق أن ضربنا مثلاً للاستدلال على الخالق سبحانه بما أودعه في الكون من ظواهر وآيات بالرجل الذي انقطعت به السبل في صحراء، حتى أوشك على الهلاك، وفجأة رأى مائدة عليها ما يشتهي من الطعام والشراب، ألا تثير في نفسه تساؤلاً عن مصدرها قبل أن تمتد إليها يده؟
وكذلك الكافر الذي يتقلب في نعم لا تعد ولا تحصى، وقد طرأ على الكون فوجده معداً لاستقباله مهيئاً لمعيشته، فكان عليه أن يجري عملية الاستدلال هذه، ويأخذ من النعمة دليلاً على المنعم.
والحق تبارك وتعالى لا يمنع عطاء ربوبيته عمن كفر، بل إن الكافر حين يتمكن الكفر منه ويغلق عليه قلبه يساعده الله على ما يريد، ويزيده مما يحب، كما قال تعالى:

{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً .. "10"}
(سورة البقرة)


إذن: فقوله تعالى:

{وجعلنا على قلوبهم أكنة .. "46"}
(سورة الإسراء)


لم تأت من الله ابتداءً، بل لما أحبوا هم الكفر، وقالوا عن أنفسهم: قلوبنا في أكنة، فأجابهم الله إلى ما أرادوا وختم على قلوبهم ليزدادوا كفراً، وطالما أنهم يحبونه فلنزدهم منه. ثم يقول تعالى:

{أن يفقهوه .. "46"}
(سورة الإسراء)


أي: كراهية أن يفقهوه؛ لأن الله تعالى لا يريد منهم أن يفهموا القرآن رغماً عنهم، بل برضاهم وعن طيب خاطر منهم بالإقناع وبالحجة، فالله لا يريد منا قوالب تخضع، بل يريد قلوباً تخشع، وإلا لو أرادنا قوالب لما استطاع أحد منا أن يشذ عن أمره، أو يمنع نفسه من الله تعالى، فالجميع خاضع لأمره وتحت مشيئته.
وفي سورة الشعراء يقول الحق تبارك وتعالى:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3" إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "4"}
(سورة الشعراء)


فالأعناق هي الخاضعة وليست القلوب؛ لأنك تستطيع أن تقهر قالب خصمك فتجبره على فعل أو قول، لكنك لا تستطيع أبداً أن تجبر قلبه وتكرهه على حبك، إذن: فالله تعالى يريد القلوب، يريدها طائعة محبة مختارة، أما هؤلاء فقد اختاروا الأكنة على قلوبهم، وأحبوها وانشرحت صدورهم بالكفر، فزادهم الله منه.
ثم يقول تعالى:

{وفي آذانهم وقراً .. "46"}
(سورة الإسراء)


(وقراً) أي: صمم، والمراد أنهم لا يستمعون سماعاً مفيداً؛ لأنه ما فائدة السمع؟ واللغة وسيلة بين متكلم ومخاطب، ومن خلالها تنتقل الأفكار والخواطر لتحقيق غاية، فإذا كان يستمع بدون فائدة فلا جدوى من سمعه وكأنه به صمماً. وقوله تعالى:

{وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً "46"}
(سورة الإسراء)


لماذا ولو على أدبارهم نفوراً؟ لأنك أتيت لهم بما يخوفهم ويزعجهم، وبالله لو أن قضية الإيمان ليست فطرية موجودة في الذات وفي ذرات التكوين، أكان هؤلاء يخافون من ذكر الله؟ فمما يخافون وهم لا يؤمنون بالله، ولا يعترفون بوجوده تعالى؟
إذن: ما هذا الخوف منهم إلا لانقهار الطبع، وانقهار الفطرة التي يعتريها غفلة، فإذا بهم يولون مدبرين في خوف ونفور