عرض مشاركة واحدة
قديم 20-10-2011, 10:52 AM   #611
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 47

(نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "47" )
الحق سبحانه وتعالى لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهذه حقيقة كان على الكفار أن ينتبهوا إليها ويراعوها، ويأخذوها سبيلاً إلى الإيمان بالله، فقد أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير "8"}
(سورة المجادلة)


فكان عليهم أن يتدبروا هذا القول: فهم قالوا في أنفسهم، ولم يقولوا لأحد، فمن أخبر محمداً بهذا القول الذي لم يخرج إلى عالم الواقع، ومن أطلعه عليه؟ ألا يدعوهم هذا الإعلام بما يدور في نفوسهم إلى الإيمان بالله؟
ومادام الحق سبحانه يعلم كل الأحوال، ولا يخفى عليه شيء، فهو أعلم بأحوالهم هذه: الأول: يستمعون إليك. والثاني: وإذ هم نجوى. والثالث: إذ يقول الظالمون. إذن: هم يستمعون ثم يتناجون، ثم يقول بعضهم لبعض.
قالوا: إن سبب نزول هذه الآية ما كان عند العرب من حب للغة وشغف بأساليب البيان؛ لذلك كانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ما نبغ فيه قومه، لتكون أوضح في التحدي، هكذا شأن الحق سبحانه مع كل الرسل.
وكان للعرب أسواق للبيان والبلاغة يجتمع فيها أهل الشعر والبلاغة والفصاحة، وفي مكة تصب كل الألسنة في مواسم الحج، فعرفوا صفوة لغات الجزيرة وأساليبها، ومن هنا انجذبوا لسماع القرآن، وشغفوا ببيانه بما لديهم من أذن مرهفة للأسلوب وملكة عربية أصيلة، إلا أن القرآن له مطلوبات وتكاليف لا يقدرون عليها، ولديه منهج سيقوض مملكة السيادة التي يعيشون فيها.
ومن هنا كابروا وعاندوا، ووقفوا في وجه هذه الدعوة، وإن كانوا معجبين بالقرآن إعجاباً بيانياً بلاغياً بما في طباعهم من ملكات عربية.
فيروى أن كباراً مثل: النضر بن الحارث، وأبي سفيان، وأبي لهب كانوا يتسللون بعد أن ينام الناس ـ ممن كانوا يقولون لهم: "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" ـ كانوا يذهبون إلى البيت يتسمعون لقراءة القرآن، ولماذا يحرمون أنفسهم من سماع هذا الضرب البديع من القول، وقد حرموا مواجيدهم وقلوبهم منه، فكانوا عند انصرافهم يرى بعضهم بعضاً متسللاً متخفياً، فكانوا مرة يكذبون على بعضهم بحجج واهية، ومرة يعترفون بما وقعوا فيه من حب لسماع القرآن. فقال تعالى:

{نحن أعلم بما يستمعون به .. "47"}
(سورة الإسراء)


أي: بالحال الذي يستمعون عليه، إذ يستمعون إليك بحال إعجاب. ثم:

{وإذا هم نجوى .. "47"}
(سورة الإسراء)


من التناجي وهو الكلام سراً، أو: أن نجوى جمع نجى، كقتيل وقتلى، وجريح وجرحى. فالمعنى: نحن أعلم بما يستمعون إليه، وإذ هم متناجون أو نجوى، فكأن كل حالهم تناجٍ. وقوله:

{وإذ هم نجوى .. "47"}
(سورة الإسراء)


فيه مبالغة، كما تقول: رجل عادل، ورجل عدل. ومن تناجيهم ما قاله أحدهم بعد سماعه لآيات القرآن: "والله، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسلفه لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه".
ثم تأتي الحالة الثالثة من أحوالهم:

{إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً "47"}
(سورة الإسراء)


وهذا هو القول المعلن عندهم، أن يتهموا رسول الله بالسحر مرة، وبالجنون أخرى، ومرة قالوا: شاعر. وأخرى قالوا: كاهن. وهذا كله إفلاس في الحجة، ودليل على غبائهم العقدي.
وكلمة (مسحوراً) اسم مفعول من السحر، وهي تخييل الفعل. وليس فعلاً، وتخييل القول وليس قولاً، فهي صرف للنظر عن إدراك الحقائق، أما الحقائق فهي ثابتة لا تتغير.