عرض مشاركة واحدة
قديم 20-10-2011, 10:53 AM   #613
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 49

(وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا "49" )
الاستفهام في الآية استفهام للتعجب والإنكار لموضع البعث يوم القيامة بعد أن صاروا رفاتاً وعظاماً.
والرفات: هو الفتات ومسحوق الشيء، وهو التراب أو الحطام، وكذلك كل ما جاء على وزن (فعال).
لقد استبعد هؤلاء البعث عن الموت؛ لأنهم غفلوا في بداية الوجود وبداية خلق الإنسان، ولو استعملنا علم الإحصاء الذي استحدثه العلماء لوجدناه يخدم هذه القضية الإيمانية، فلو أحصينا تعداد العالم الآن لوجدناه يتزايد في الاستقبال ويقل في الماضي، وهكذا إلى أن نصل بأصل الإنسان إلى الأصل الأصيل، وهو آدم وحواء، فمن أين أتيا إلى الوجود؟ فهذه قضية غيبية كان لابد أن يفكروا فيها.
ولأنها قضية غيبية فقد تولى الحق سبحانه وتعالى بيانها؛ لأن الناس سوف يتخبطون فيها، فينبهنا الخالق سبحانه بمناعة إيمانية عقدية في كتابه العزيز، حتى لا ننساق وراء الذين سيتهورون ويهرفون بما لا يعلمون، ويقولون بأن أصل الإنسان كان قرداً، وهذه مقولة باطلة يسهل ردها بأن نقول: ولماذا لم تتحول القرود الباقية إلى إنسان؟ وعلى فرض أن أصل الإنسان قرد، فمن أين أتى؟ إنها نفس القضية تعود بنا من حيث بدأت، إنها مجرد شوشرة وتشويه لوجه الحقيقة بدون مبرر.
وكذلك من القضايا التي تخبط فيها علماء الجيولوجيا ما ذهبوا إليه من أن السماء والأرض والشمس كانت جميعاً جزءاً واحداً، ثم انفصلت عن بعضها، وهذه أقوال لا يقوم عليها دليل.
لذلك أراد الحق سبحانه أن يعطينا طرفاً من هذه القضية، حتى لا نصغي إلى أقوال المضللين الذين يخوضون في هذه الأمور على غير هدى، ولتكون لدينا الحصانة من الزلل؛ لأن مثل هذه القضايا لا تخضع للتجارب المعملية، ولا تؤخذ إلا عن الخالق سبحانه فهو أعلم بما خلق. يقول تعالى:

{ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم .. "51" }
(سورة الكهف)


أي: لم يكن معي أحد حين خلقت السماء والأرض، وخلقت الإنسان، ما شهدني أحد ليصف لكم ما حدث

{وما كنت متخذ المضلين عضداً "51"}
(سورة الكهف)


أي: ما اتخذت من هؤلاء المضللين مساعداً أو معاوناً، وكأن الحق سبحانه يقول لنا: احكموا على كل ما يخوض في قضية الخلق هذه بأنه مضلل فلا تستمعوا إليه.
ولكي تريحوا أنفسكم من مثل هذه القضايا لا تحملوا العقل أكثر مما يحتمل، ولا تعطوه فوق مقومات وظائفه، وجدوى العقل حينما ينضبط في الماديات المعملية، أما إن جنح بنا فلا نجني من ورائه إلا الحمق والتخاريف التي لا تجدي.
وكلمة "العقل" نفسها من العقال الذي يمنع شرود البعير، وكذلك العقل جعله الله ليضبط تفكيرك، ويمنعك من الجموح أو الانحراف في التفكير.
وأيضاً، فالعقل وسيلة الإدراك، مثله مثل العين التي هي وسيلة الرؤية، والأذن التي هي وسيلة السمع .. ومادام العقل آلة من آلات الإدراك فله حدود، كما أن للعين حدوداً في الرؤية، وللأذن حدوداً في السمع، فللعقل حدود في التفكير أيضاً حتى لا يشطح بك، فعليك أن تضبط العقل في المجال الذي تجود فيه فقط، ولا تطلق له العنان في كل القضايا.
ومن هنا تعب الفلاسفة وأتعبوا الدنيا معهم؛ لأنهم خاضوا في قضايا فوق نطاق العقل، وأنا أتحدى أي مدرسة من مدارس الفلسفة من أول فلاسفة اليونان أن يكونوا متفقين على قضية إلا قضية واحدة، وهي أن يبحثوا فيما وراء المادة، فمن الذي أخبرك أن وراء المادة شيئاً يجب أن يبحث؟
لقد اهتديتم بفطرتكم الإيمانية إلى وجود خالق لهذا الكون، فليس الكون وليد صدفة كما يقول البعض، بل له خالق هو الغيبيات التي تبحثون عنها، وترمحون بعقولكم خلفها، في حين كان من الواجب عليكم أن تقولوا: إن ما وراء المادة هو الذي يبين لنا نفسه.
لقد ضربنا مثلاً لذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ وقلنا: هب أننا في مكان مغلق، وسمعنا طرق الباب ـ فكلنا نتفق في التعقل أن طارقاً بالباب، ولكن منا من يتصور أنه رجل، ومنا من يتصور أنه امرأة، وآخر يقول: بل هو طفل صغير، وكذلك منا من يرى أنه نذير، وآخر يرى أنه بشير. إذن: لقد اتفقنا جميعاً في التعقل، ولكن اختلفنا في التصور.